قراءة في مقالة " الحرب في سوريا كحرب « جديدة » .. لألبير داغر - سمير مطرود
سمير عدنان المطرود
قسّم ألبير داغر الحروب إلى أنواع متعددة وفقا لتصنيفات تتبع الأهداف التي تتبناها كل حرب, معتبرا أن الحروب التي دارت خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة يجمعها هدف واحد فقط وهو تفتيت الدول الوطنية مشيرا إلى أن هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع الباحثة ماري كالدور لتطلق على هذا النوع من الحروب صفة الحروب «الجديدة» في المقالة التي نشرها داغر في صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 5 أيلول؛ نحا إلى عدة تصنيفات وتقسيمات لهذه الحروب الجديدة؛ حيث اعتبر أولاً أن الحرب التي تعتمد الهوية وسيلة لبلوغ السلطة, هي حرب المقاولين السياسيين الذين يروّجون لثقافة معينة بقطع النظر عن كون الفئة المشاركة في هذه الحرب من أصول عرقية واحدة موضحاً أنه "قد يكون القاسم المشترك، إثنياً أو دينياً أو مذهبياً أو لغوياً، أو أي شيء آخر يستطيع السياسيون استثماره".
ويؤكد داغر أن هذا الاصطفاف وتجميع الناس في هذا النوع من الحروب يتم تحت شعارات ولافتات تحقق هذا الفرز الاجتماعي من خلال استخدام الهوية للتعبئة السياسية بغية الوصول للسلطة, حيث يعتبر الكاتب أن السياسة في هذا النوع من الحروب؛ غير معنيّة باكتساب عقول الناس وقلوبهم؛ لذلك تتعاطى "مع من تصنّفه كمختلف أي " المعارض "بالتخلّص منه، من خلال القتل، أو الفرز السكاني والتهجير والتطهير. وهي سياسة إقصائية" تقوم على تبنّي أفكار لها علاقة كبيرة بأيديولوجيات معينة.
ويشير ألبير داغر إلى أن "البلدان الغربية المتطوّرة، استندت في التعبئة السياسية إلى أفكار تقدميّة تناولت بناء الدولة وتوفير تقديمات سياسية إيجابية للمواطنين، وارتكزت على مبدأ عمومية الحقوق الموفّرة لهم "وهذا ما يعتبره الباحثون أنه إرساء لفكرة القيم المدنيّة للمجتمع الغربي ..حيث تصدّت الدول الغربية بواسطة هذه القيم المدنية لأشكال التصنيف والتمييز على أساس ديني أو مذهبي أو إثني.
أما التصنيف الآخر لهذا النوع من الحروب فهي الحروب التي "ترافقت مع بناء الدولة الحديثة ، التي كان من أهم شروطها بناء مؤسسات عسكرية توفّر للدولة الاحتكار القانوني لاستخدام القوة "؛ بعد أن كانت الجيوش الخاصة مكوّنة من مرتزقة وأصحاب سوابق ومجرمين في القرون الوسطى! حيث أسماها "داغر" وفق هذا التصنيف بأنها حروب قوى «غير نظامية».
ومن هنا تكون المؤسسة العسكرية المتوافرة من قبل الدولة هي الضمان لأمن وسلامة المواطنين باعتبار أن هذه الجيوش والمؤسسات العسكرية في البلدان الغربية صارت تخضع لتشريعات وأنظمة ومواثيق حمت المواطنين وجعلتهم بمنأى عن الحرب، كمعاهدة جنيف 1948 ولاهاي وهلسنكي 1975.
ويرى داغر أن تناقضاً واضحا بين الحرب الجديدة والحرب القديمة من حيث طبيعة القوى التي عوّلت عليها لبلوغ غاياتها. إذ لم تعتمد هذه الحروب على قوى نظامية تتميّز بالزي الموحّد وتكون مسلكيّتُها مضبوطة بأنظمة وقواعد. وهذا ما يذهب بنا إلى تصنيف جديد من القوى شبه العسكرية ؛ التي جسّدتها الميليشيات وتشكيلات المرتزقة. ويستشهد الكاتب هنا بتجربة بعض الدول الأفريقية و يوغسلافيا السابقة حيث يشكّل المجرمون وأصحاب السوابق 80 % من عديد هذه المنظّمات شبه العسكرية؛ ولذلك تكون حرب هذه الميليشيات حرب إبادة لأنها اعتمدت التطهير الإثني وسيلة حرب رئيسية!
أما التصنيف الثالث فهو الحرب الأهلية , لكن بالصيغة الدولية , وهو التعبير الذي انتقدته الباحثة " كالدور " لوصف النزاعات على أساس الهوية؛ حيث تم تفضيل إطلاق تسمية الحرب الأهلية ذات الصفة الدولية لأسباب أهمها:
1- دور الشبكات التي تتخطّى الدولة بمفردها في هذه الحرب , حيث تضم لاعبين من الخارج ومن الداخل يتعاونون في خوض الحرب.
2- الدور الكبير لهذه البلدان في رفد الحرب بالأفكار والتمويل والمتطوعين.
3- تمويل هذه الحرب من الخارج أدى إلى نشوء اقتصادات حرب مرتبطة بالخارج ..وهناك الكثير من الأمثلة على حروب وقعت في العالم تحت هذه المسميّات , وما نتج عنها من خروج تصنيفات جديدة اجتماعية واقتصادية.
أما فيما يتعلق بالحرب في سوريا فقد اعتبرها الكاتب أنها تنوس بين نوعين من الحروب هما:
أ - حرب مواجهة بين قوى إقصائية وبين الدولة الوطنية ؛ باعتبار أن مفهوم الدولة يقوم على عمومية الحقوق للمواطنين , وهو ذاته المبدأ الذي قامت عليه الدولة الغربية.
وفي الحالة السورية نرى أن أحد أهم صفة لمكونات الجماعة السياسية الوطنية هو "العروبة والعداء لإسرائيل " ولذلك تقف مجموعة القوى التي تمارس التعبئة على قاعدة الهوية ضد عمومية الحقوق للمواطنين ؛ أي ضد الجماعة السياسية الوطنية , وذلك تبعا لاختلاف بوصلة التوجّه.. حيث يقوم مشروع مجموعة القوى الداخلة في الحرب ضد الدولة على تصنيف المواطنين على قاعدة الهوية وعدم المساواة بينهم . ولذلك كانت إعادة فرز السكان تتم على قاعدة هويتهم، وصولاً إلى مناطق مطهّرة من وجود الآخر.
ب - حرب مواجهة بين قوى الثورة المضادة العالمية والعربية مع دولة تنتمي إلى قوى التحرّر الوطني وهذا الشكل الآخر للحرب في سورية ؛ حسب ألبير داغر: " كون سوريا تشكّل منذ نشوئها ككيان , ثقلاً قومياً جعلها في صدام دائم مع الدول الاستعمارية، بدءاً من تجربة الانتداب الفرنسي. حين هُزِمت في معركة عسكرية , وأدت هزيمتها إلى تكريس كيانين منفصلين ؛ لبنان وسوريا. وواجهت بنجاح المشروع الانتدابي الرامي إلى تفتيتها إلى كيانات أربعة ".
أما في فترة الحرب الباردة ,فقد حالفت سوريا الحلف الذي يقف بمواجهة الحلف الامبريالي المستعمر , كونها بحاجة لحماية من أصدقائها بسبب وجود الصراع العربي الصهيوني ..! ومن هنا اعتبر بعض الأكاديميين الغربيين أن سوريا هي " دولة أمن وطني "اعتمدت سياسة براغماتية تجاه القوى الغربية التي تخشى أذاها ..! ولذلك كان استهدافها يتزايد يوما بعد يوم , خاصة مع استمرار نمو الديمغرافي , مما جعلها حسب – داغر – دولة الـ 23 مليون مواطن التي يُحسب لها الحساب . ومن هنا نقرأ هذه الحرب الكونية على سوريا بكل الشراسة والحقد من الدول الامبريالية ومن أدواتها الأنظمة الملكية والمشيخات الخليجية إضافة لبعض دول الجوار التي تحاول استعادة أمجادا عفى عليها الزمن.