آلاف الجزائرييــــن محاصـــرون ساعِدوهـــم علــى الدخـــول
''المرتزقـــة هاجمونـــا وجردونـــا مــن كــل شـــيء
رحلة
شارتر خاصة رقم 4009، طائرة بوينغ 747، الساعة الخامسة والنصف صباحا، كانت
أول رحلة إجلاء للرعايا الجزائريين المتواجدين بالجماهيرية الليبية، عددهم
257 شخص،من ضمنهم ثلاث عائلات منها من مر على تواجدها في ليبيا أكثر من
عشرين سنة.. وجوه شاحبة، معنويات منحطة، ودموع تنهمر من العيون.. ''الموت
في ليبيا ببلاش'' جملة اتفق الأغلبية على ترديدها، لأن القصف الجوي أصبح من
اليوميات منذ ما يقارب الأسبوع، فمرتزقة ''الموساد'' و''البلطجية'' -يقول
العائدون من جحيم ليبيا- أصبحوا يهاجمون الأجانب وعلى رأسهم العرب وينكلون
بهم أشد تنكيل..
''النهار''
حضرت وصول الطائرة الخاصة للخطوط الجوية الجزائرية، ورصدت العديد من
الأسرار التي كانت بجعبة الجزائريين، اتفقوا جميعا على أن نجاتهم من الموت
يعد بمثابة المعجزة، وأن الدور الآن على من تبقوا هناك، فأعدادهم بالآلاف،
ونقل عدد من الذين مر على تواجدهم بليبيا سنوات أن العدد قد يفوق 10 آلاف
جزائري..
''المرتزقة هاجمونا وجردونا من كل شيء''بوجه
شاحب وعيون دامعة، وشعر بدأ الشيب يخطه.. يغطي جسمه سترة بنية وسروال بلون
بني أيضا.. تحدث إلينا ''يزيد. ب'' المنحدر من ولاية عنابة.. صاحب 44 سنة،
يقول أنه مر على تواجده في ليبيا 17 سنة، اشتغل على مدارها دهّانا بالعاصمة
طرابلس، يقول أنه عاش الأيام الأخيرة في رعب رفقة عائلته، ''هاجمونا
وجردونا من كل شيء حتى الجوازات أخذوها، أرعبونا.. ما نظلموش العائلات
الليبية لأنهم جميعا إخواننا، هم أناس طيبون، من ارتكبوا المجازر ليسوا
ليبيين بل أفارقة مرتزقة'' -يضيف يزيد- ''نحن نتحدث الآن فقط عن الجزائريين
الأحرار، أما المساجين فقد سحبت منهم جوازاتهم منذ زمن ولا أحد يعرف
مكانهم.. نطلب من السلطات أن تجد لنا حلا.. دخلوا إلى منازلنا ليلا أخذوا
كل شيء اعتدوا علينا ثم سلبوا كل شيء.. وفروا إلى باقي المنازل.. لم نسمع
لهم صوتا ولكن يقال أنهم جماعة ''الموساد'' حسبما يدور في الشوارع الليبية
''خلاطين'' يسعون إلى جعل ليبيا حمّام دم.. لم يتكلموا لا عن القذافي ولا
عن عائلته وأبنائه ولا عن أسباب القصف الجوي ولا حتى إن كانوا مع أو ضد
نظام ''ملك الملوك''، الرعب كان يشد أنفاسهم، وأصواتهم كانت تكاد تختفي من
شدة التعب.. اتفقوا جميعا على أن يتحدثوا عن إخوانهم ممن بقوا هناك تحت
أزيز طائرات القصف.. جيوبهم مليئة بالأوراق النقدية الليبية، فما
''حَوَّشُوهُ'' في سنوات جلبوه معهم لأنها -حسبهم- ''تحويشة العمر
عمليات السطو والقتل تبدأ ليلا مع الظلام''''محمد.
س''، 29 سنة، يتواجد في ليبيا منذ سنتين، ينحدر من ولاية الشلف،
''الخبزة'' جعلته يتغرب عل وعسى يجد موردا حلالا يقيم به عائلة، يقول أنهم
كانوا منذ الساعة الثالثة لنهار أول أمس، متواجدين في مطار طرابلس إلى أن
ركبوا الطائرة الخاصة بالخطوط الجوية الجزائرية على الساعة الثانية والنصف
صباحا قبل أن يصلوا أرض الوطن في حدود الخامسة والنصف، محمد يقول أن عدد
الجزائريين يقدر بالآلاف في الجماهيرية الليبية، أغلبهم الآن محاصرون في
منازلهم.. أما ''بلال. س'' صاحب 23 ربيعا ابن ولاية تيبازة الشاب الذي كان
يحيط خصره بالمال الذي جناه طيلة 14 شهرا، فيقول انه سافر منذ 14 شهرا فقط
من أجل الحصول على عمل هناك، فاشتغل في مطعم للأكل السريع، ''قبل أن يتم
الشروع في القصف ''كنا نعيش بسلام مع جميع الليبيين، كنت أقيم في بنغازي،
إلى أن اتصل بي جزائريون وأسمعوني عبر الهاتف عمليات القصف، فرعبت رفقة
الجزائريين الذين كانوا معي، ولم نعد نفكر سوى في العودة إلى الجزائر أين
نأتمن على أنفسنا''.. عشنا الجحيم، بدأت عمليات الحرق في مدينة طرابلس ثم
امتدت إلى مدن أخرى دون توقف.. في النهار تكون الأمور كلها هادئة وتكون
الأمور تسير على ما يرام، وعندما يخيم الظلام، تبدأ العصابات في عملها،
وتشرع القوات المساندة والمعارضة في قصف المواطنين العزّل.. لقد كنا في
جحيم ''الحمد لله أننا الآن آمنون سالمون.. ربي يحفظ بلادنا''..
نساء مجهزات بأسلحة كلاشينكوف.. السلاح يوزع نهارا ويستعمل ليلا في إرعاب المدنيينما لم
تسمعه أذناي من قبل ولم يكن في الحسبان هو ما رواه ''حميد. ك''، صاحب 38
سنة، ينحدر من سوق أهراس، روى وهو مندهش وما يزال تحت تأثير الصدمة ما
عايشه الأيام الأخيرة، بعد أن أصبحت النساء مزودات بأسلحة توزع صباحا
وتستعمل ليلا من قبل أصحابها في إرعاب المدنيين، ''لقد رأيناهم ليسوا
ليبيين فهم لا يشبهون الليبيين في شيء، إنهم أفارقة مرتزقة جندوهم لتقتيل
الشعب.. هذا الأحد كنا في منازلنا معززين مكرمين إلى أن هاجمنا عدد من
الأفارقة ذوو البشرات السوداء، مدججين بالأسلحة، وشرعوا في تجريدنا من كل
شيء.. السلاح يترامى في أرجاء ليبيا وكأنها حرب أهلية، سيارات مجهولة تتوقف
في كل زاوية وتوزع السلاح والخراطيش، ومن أراد الحصول على سلاح فالأمر سهل
جدا، ''المشكل كيف تتحصل سيدات على أسلحة وكيف تعلمن استعمال الكلاشينكوف،
لقد كن يدخلن المنازل كغيرهن من المرتزقة لتخويف المواطنين وسلبهم
ممتلكاتهم..'' البداية كانت بإحراق مصرف الأمة قبالة مركز الأمن العام، ثم
تطور إلى حرق مراكز الشرطة، والبنوك.. فهاجمتنا النساء والرجال نحن الأجانب
الذين لا نحمل الجنسية الليبية لقد كنا مستهدفين ليس كجزائريين وإنما
كأجانب.. أنا شخصيا جردوني من كل شيء..''.
''الليبيون طيبون ولولا تطور الأحداث لما غادرناها''السيدة
''حورية. ج''، أم لطفلتين رتاج وأسماء، تقول والدموع في عينيها أنها ما
كانت لتعود إلى الجزائر لولا أن تطورت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه ''لأن
الليبيين أناس طيبون ويقفون مع المحتاج، ''ما علابالناش شكون مورا هذا
الشيء .. الناس ولات تضرب وتهرب..، تضيف السيدة حورية وهي تحمل بين يديها
رضيعتها التي كادت أن تسقط بسبب التعب الذي أنهك جسدها النحيل، كيف لا وهم
لم يغمض لهم جفن منذ أربعة أيام كاملة.. الليبيون يحبوننا لقد تحدث سيف
الإسلام القذافي وقال بأن ''البلطجية'' هم مصريون فلسطينيون وتونسيون، لكنه
لم يذكر الجزائريين، وهذا خير دليل على أنهم يحترموننا''، يتدخل زوجها
''ما حدث في ليبيا انفلات أمني، يمكن أن يحدث في أي بلد.. ندعو لهم بالأمن
والأمان لأنهم إخواننا والدم ''عمرو ما يولي ماء''..
''آلاف الجزائريين محاصرون أنقذوهم قبل فوات الأوان''واصلنا
سيرنا وسط العائدين من جحيم القصف الليبي، ملابس مترامية، وحقائب مفتوحة
على الجنبات، بقاعة الاستقبال المخصصة للحجاج، مسؤولون كثر يستمعون إلى
روايات الشباب العائد وهم مندهشون، شرطة ودرك في كل مكان، شاب من العائدين
يقترب من مسؤول أمني كان يسهر على أمن المطار هناك ويطلب منه تزويده
بسيجارة وولاعة لإشعالها.. بدا الأمر غير طبيعي، خاصة وأن المسؤول كان ذا
هيبة.. ضحك مسؤول الأمن، ثم منحه السيجارة والولاعة وداعبه بقوله
''نشعلك..'' فابتسم الشاب وانسحب إلى مكان غير بعيد.. شد انتباهنا شاب
مهموم يفكر بعيدا عن الضجة، ''عبد القادر. ب''، صاحب الـ30 سنة، من ولاية
وهران، يتواجد في ليبيا منذ 18 شهرا، يقول أن ما يفكر به الآن هو
الجزائريين المحاصرون هناك والذين ينتظرون الموت في أية لحظة، يضيف ''ما
كناش مغبونين، كنا لاباس الكل يحترمنا.. ما نطلبه من السلطات جلب أولئك
الذين يزالون هناك محاصرين.. أعرف عائلة تزال هناك ترفض العودة وتفضل
البقاء تحت نيران القصف ولكن من يرغبون في العودة كثر..''
''الموساد'' وراء ''التخلاط'' في ليبيا ودول المغربوغير
بعيد عن الصخب الذي كان يملأ المكان، وقف كهل طويل القامة، بشعر أكل الأبيض
منه الأسود، برداء بني إلى أسفل الرجلين، إلى جنب بعض الشباب يتجاذبون
أطراف الحديث عن مجازر ليبيا، هو ''عمار. ب'' صاحب 56 سنة، من سدراتة
بولاية سوق أهراس، يتواجد في ليبيا منذ 35 سنة، أب لسبعة أبناء أنجبهم
جميعا هناك، كان يعيش في مدينة مسراتة، يقول بلهجة ليبية أن ''الأمور كانت
ماشية تمام وكي تخلط خزها فوق ماها أعلمنا السفارة التي تدخلت وتم ترحيلنا
إلى أرض الوطن''، الغريب في الأمر أن الرجل ورغم أنه رب عائلة وأب لسبعة
أطفال غير أنه كان وحيدا، ولم يتحدث عن عائلته ولا عن أبنائه قط.. يستطرد
ويقول أن عدد الجزائريين جاوز الـ7 آلاف، ناهيك عن ''ڤة'' الذين دخلوا عبر
مسلك الدبداب.. شاب آخر رفض ذكر اسمه يقول أنه رأى بأم عينه كيف قتل 250
شخص في عشر دقائق من قبل أفارقة مرتزقة كيف وأين ولماذا، يقول أنها من
أعمال الموساد وإسرائيل، ''الموساد كان يقطن في شقة في العاصمة تونس في أحد
الفنادق وهم هناك يخططون لضرب وحدة كل دولة مغاربية لأنهم لم يستطيعوا
دخولها باللين..'' تعددت الروايات وصبت كلها في مصب واحد مفاده أن الأمور
الأمنية بليبيا قد انفلتت والواجب إدخال من تبقّى من جزائريين هناك..
''مسكن وعمل ومصروف جيب.. أو نحرق أنفسنا''كانت
الأمور تسير على ما يرام، ووزع الوزير رقم هاتفه على كل الحضور ممن دخلوا
أرض الوطن، للتكفل بانشغالاتهم في حال عدم تكفل السلطات المحلية بها، غير
أن مجيء مديرة النشاط الاجتماعي لولاية العاصمة، كان عاصفة، بعد أن صرحت
هذه الأخيرة أنه سيتم نقل كل رعية إلى أهله، على أن يتم التكفل بهم وبأمر
من وزارة التضامن من قبل مديريات النشاط الاجتماعي، فثارت ثائرة الجميع
وأصبح كل واحد يفرض رأيه، لكن الأمر المريب الذي حدث هو أن أحد القادمين
تلفظ بكلمات نابية أمام الوزير وقال له إن لم تحققوا مطالبنا وتمنحونا
المال ورخصة للعمل والسكن سنحرق أنفسنا.. وتطورت الأوضاع وعمت الفوضى
والثرثرة على مدار أكثر من أربع ساعات.. وأصبح الجميع يطالب بالسكن والعمل
قبل الخروج من المطار، لأنهم وحسب ما قالوا تركوا كل شيء وراءهم.. وبقي
الجميع ينتظر رخصة السكن والعمل، واستغل البقية الوقت للراحة بعد أن غادر
معظمهم قبل تطور الأوضاع..
بقرار من الوزير بن عطا الله لفائدة العائدين من ليبيا:رسالة توصية للولاة، 5 آلاف دينار مصروف جيب.. ودفع تكاليف النقل
قرر
الوزير المنتدب المكلف بالجالية الجزائرية في الخارج، حليم بن عطا الله،
منح كل عائد من ليبيا رسالة ممضاة باسمه، موجهة خصيصا للولاة للتكفل
بانشغالات العائدين كل على مستواه، كما تم منح كل عائد من ليبيا 5 آلاف
دينار، مصروف جيب، ودفعت مديرية النشاط الاجتماعي للعاصمة تذاكر نقل كل
واحد منهم، حيث توجهوا أمس، إلى الولايات المعنية في سيارات أجرة.
حديث عن وفاة رعيتين وطائرة توجهت أمس لجلب 200 آخرينبن عطا الله: ''آلاف الجزائريين محاصرون وسنبذل ما في وسعنا لإعادتهم إلى أرض الوطن''أوضح
الوزير المنتدب لدى وزير الخارجية مكلف بالجالية الجزائرية في الخارج، أن
عدد الجزائريين الذين دخلوا أمس، أرض الوطن بلغ 256 رعية، أغلبهم دخلوا
بترخيصات منحتها لهم السفارة بعد أن ضيعوا جوازات سفرهم التي كانت هدف
''المرتزقة''، في حين يزال ينتظر على مستوى السفارة الجزائرية بطرابلس
والقنصلية، ما يفوق الـ200 خصصت لهم أمس رحلة خاصة من أجل ترحيلهم.وأفاد
الوزير أمس، في تصريح لـ''النهار''، أن السفارة تلقت أعدادا هائلة من
الاتصالات من جزائريين يرغبون في العودة إلى أرض الوطن، غير أن أماكن
تواجدهم بعيدة عن العاصمة طرابلس، وبالتالي فإن تنقلهم يعد شبه مستحيل،
مضيفا أنه وجّه تعليمات صارمة للتكفل بكل الراغبين في دخول الوطن، بمن فيهم
أولئك الذين ضيعوا جوازات سفرهم، حيث يتم تسوية وضعيتهم بالجزائر وإرسال
الجوازات في الرحلات المقبلة، بعد أن تعرضت ممتلكاتهم بليبيا إلى النهب،
ولم يعد لديهم أية وثيقة تثبت هويتهم، وعن عدد القتلى الذين تم تسجيلهم،
قال الوزير إن الإحصائيات الأولية وحسب ما نقله العائدون من ليبيا وصل
قتيلين اثنين.
وبخصوص
العدد الإجمالي للجزائريين المتواجدين في الجماهيرية الليبية، قال بن عطا
الله، إن الأعداد الرسمية تؤكد وجود 7 آلاف مسجل، ناهيك عن الأعداد الأخرى
غير المسجلة التي دخلت بطريقة غير قانونية عبر الحدود.