محاولة مبارك الانقلابية الفاشلة
صحف عبرية
2011-02-22
تُحلل أحداث الشهر الاخير في الشرق الاوسط أكثر من
مرة من منظار متفائل أو ساذج أو مقطوع عن الحقائق. إن النظر الصائب الى
الواقع كما هو يكشف عن صورة مختلفة جدا. لم يحدث في مصر انقلاب بل انقلاب
مضاد. فمنذ 1952 والجيش يحكم مصر، والذي خرجت من صفوفه سلسلة جنرالات
ترأسوا الدولة: محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك. طلب مبارك في
السنين الاخيرة تغيير الاتجاه من سلسلة جنرالات الى سلسلة عائلية وأن يُعين
ابنه رئيسا. فقد كان مبارك اذا هو الذي حاول أن يُجري انقلابا في مصر.
عندما
نشبت الاضطرابات في ميدان التحرير، وأمكنها الاستمتاع بالشك في أنها كانت
عفوية، قرر الجيش انها تخدم مصلحته. في الانقلابات الحقيقية تنتقض عُرى
الجيش أو يُهزم أو ينتقل الى جانب الثوار ولم يحدث شيء من هذا. لقد قرر
الجيش ببساطة أن يُمكّن المظاهرات من ان تُجرى وقتا ما. وبعد ان استنتج
الجيش ان المظاهرات قد استنفدت نفسها وفقد مبارك ثروة سياسية بقدر كاف، عزل
الجيش في أقل من 24 ساعة مبارك وأوقف المظاهرات.
تقول الحقائق إن
الجيش يسيطر اليوم على مصر، وبقوة أكبر مما في الماضي، لان الدستور قد تم
إبقاؤه وحُلت بعض مؤسسات الحكم المدني. لا يعني هذا انه لم يتغير شيء في
مصر، فقد جرى على الجهاز المصري بيقين زعزعة يمكن ان تفضي الى اماكن مختلفة
خطرة. وثمة التزام ايضا لاجراء انتخابات في غضون ستة اشهر، وهو التزام
سيكون التهرب منه مركبا. لكن كل ما حدث في هذه المرحلة على الأقل هو ان
استُبدل بالجنرال المتقاعد مبارك جنرالات قدماء آخرون.
ثمة حلبة مركزية
اخرى هي البحرين. في هذه الدولة أكثرية شيعية وأقلية سنيّة حاكمة. تتطلع
ايران الى البحرين منذ زمن بعيد وتحرك القِدر الشيعية المحلية كي تُفضي الى
اسقاط النظام السنّي وإدخال البحرين في مجال التأثير الايراني. وليست
أحداث الاسابيع الاخيرة سوى محاولة ايرانية لاستغلال الفرصة ومحاولة اسقاط
نظام الحكم. وعلى ذلك فان الساحتين الأهم لا تتميزان باضطرابات ليبرالية
شعبية بل بمحاولات مؤسسات منظمة تبديل النظام: وهي الجيش في مصر وايران في
البحرين.
تجري في اليمن منذ سنين حربان أهليتان في نفس الوقت، الاولى في
مواجهة انفصاليين شيعة تؤيدهم ايران، والثانية في مواجهة جهات من القاعدة.
ليست المظاهرات في اليمن تحولا استراتيجيا بل استمرارا طبيعيا على هاتين
الحربين الأهليتين.
ليست سائر الأحداث في الشرق الاوسط سوى ضجيج من
الخلف. ولا يعني هذا أنه لا يوجد امكان ان تخرج أحداث ما عن السيطرة وان
يسقط نظام حكم آخر ولا سيما النظام الذي يحجم عن استعمال القوة أو الذي
يصعب عليه ذلك كليبيا وبعض نظم الحكم في شمال افريقيا لكن من هنا حتى
تقارير توم فريدمان المتحمسة عن عاصفة ليبرالية تهب على الشرق الاوسط فان
البُعد كبير جدا. وعلى النحو نفسه، فان التقارير ايضا عن عصر ثورات الفيس
بوك والتويتر يصعب عليها ان تجد مُستمسكا في الواقع. فقد حدثت ذروة
المظاهرات في مصر عندما تم اغلاق الانترنت. بقي نحو 85 مليون مصري في
بيوتهم، وكان عدد متظاهري التويتر الذين خرجوا الى الميدان أقل كثيرا من
العدد الذي خرج الى الشارع مثلا لاسقاط الشاه الفارسي حتى قبل ايجاد حاسوب
الطاولة. تواجه اسرائيل تحديين وجوديين، والواقع الذي عرفناه في العشرين
سنة الاخيرة ينهار. تضعف الهيمنة الامريكية على الشرق الاوسط ويتضعضع ميزان
القوى الذي صد ايران. وليست عندنا رفاهة ألا نرى الواقع كما هو.
اسرائيل اليوم 22/2/2011