أجرت مجلة (الوطن العربي) الباريسية في عددها الصادر بعد غد الأربعاء
مقابلة مثيرة مع الدكتور رامى العبيدي [الذي شغل لفترة مركز مسؤول شؤون
المخابرات الخارجية والعسكرية لرئيس المجلس الوطني الليبي، ولكن عمله
لتعزيز الجيش الوطني أثار عليه ضغينة الميليشيات المتطرفة فى الشرق الليبي
كما يقول، ثم اختطفوه وعذبوه وحاولوا تصفيته، لكن التدخلات السياسية أطلقت
سراحه]، كشف فيها أسراراً مجهولة تتعلق بالثورة الليبية، وكشف عن المكونات
السياسية للثوار الليبيين وأناط اللسان عن أسرار اغتيال اللواء عبد الفتاح
يونس قائد الجيش الوطني الليبي.
وفيما يلي نص المقابلة كما وردت بمجلة (الوطن العربي)
ماذا كان دورك فى الثورة والمركز الذى شغلته.. وما هى الأمور التى كنتم تهتمون بها.. وماذا أنجزتم؟
- يرجى الرجوع إلى الرسالة التى أرسلتها للرئيس، فإنها تحدد موقفى وما
أنجزته لصالح الثورة، ما لم يرد ذكره فى تلك الرسالة هو أننى شاركت بشكل
كبير فى مكافحة التجسس ومكافحة الإرهاب. ومن حيث مكافحة الإرهاب، كشفت
العلاقة بين العناصر المتطرفة فى شرق ليبيا واتصالاتهم مع تنظيم القاعدة فى
بلاد المغرب الإسلامى فى الجزائر، وكشفت الإجراءات السياسية والعسكرية
السرية الخاصة بهم، ولقد ذكرت كل شىء لرئيس المجلس الوطنى، والذى مع الأسف
لم يتخذ التدابير المناسبة واللازمة لاحتواء هذا التهديد.
لماذا تم اعتقالك؟
- تم اعتقالى بشكل غير قانونى فى 16 يونيو (حزيران) الماضى فى بلدة مساعد
على الحدود الليبية – المصرية بينما كنت فى نقطة التفتيش الحدودية. وكنت فى
طريقى إلى القاهرة قبل السفر إلى أوروبا لتأمين الشحنة الثانية من الأسلحة
الاستراتيجية العسكرية من الحليف الأوروبى، لكن السبب فى أننى سافرت براً
إلى مصر بدلاً من الطيران على متن طائرة خاصة من بنغازى مباشرة يرجع لوجود
تأخير 48 ساعة فى الحصول على تصريح من حلف شمال الأطلسى واضطررت إلى السفر
بشكل عاجل من أجل الوفاء بمهمتى.
فما لم أكن أعرفه آنذاك هو أن والدى محمد العبيدى (البالغ من العمر 71
عاماً وليس واعياً تماماً لأفعاله)، كان على اتصال مع أحمد قذاف الدم ولم
يكن مصرحاً له سواء من قبلى أو من قبل المجلس الوطنى الانتقالى أن يكون على
اتصال معه. كان سبب الاتصال إقناع أحمد قذاف الدم بإعادة مليارات من
الدولارات التى اختلسها من الشعب الليبى إلى المجلس الوطنى فى مقابل
التساهل. تم تسجيل اتصاله الهاتفى مع مكتب أحمد القذافى من قبل المديرية
العامة للأمن الخارجى الفرنسى التى كانت على تعاون وثيق جداً مع كتيبة 17
فبراير (شباط) التى يرأسها فوزى بوكتف (الليبى ذو الأصول الفلسطينية)،
مصطفى سقيلى (نائب وزير الداخلية)، والتى يسيطر عليها بشكل كامل إسماعيل
السلابى أحد العناصر الرئيسية للحركات المتطرفة فى ليبيا الشرقية.
مرة أخرى دون الحصول على إذن من ناحيتى أو من المجلس الوطنى، ذكر محمد
العبيدى دورى فى المجلس الوطنى لأحمد القذافى الذى كان فى الواقع يعرف
تماماً من أنا بسبب الأوامر المعطاة من قبل المجرم عبدالله السنوسى
المجراحى، (رئيس الاستخبارات العسكرية للقذافى) لاغتيالى بأى وسيلة ممكنة
بسبب كل العمل الذى قمت به ضد النظام.
بعدها قامت المديرية العامة للأمن الخارجى الفرنسى بإعطاء نسخة من هذا
التسجيل لمصطفى سقيلى، وكان العذر المثالى بالنسبة لهم للتخلص منى بدعوى
أننى أشكل تهديداً خطيراً لجدول أعمالهم الخفية. نظم مصطفى سقيلى مؤامرة
ضدى مع (كتيبة شهداء أبو سليم) المتطرفة التى يرأسها المتعاطف مع تنظيم
القاعدة ويقيم فى مانشستر ويدعى عبد الباسط هارون (قيس هارون) الذى يستخدم
لإرسال (الجهاديين) للقتال فى أفغانستان.
كما أن كتيبة شهداء أبو سليم وعبد الباسط هارون يسيطرون تماماً على جهاز
أمن الدولة برئاسة إبراهيم البرغثى المسؤول مسؤولية جنائية عن جرائم
التعذيب فى بلادى.
يرجى ملاحظة أنه قد تم اعتقالى من دون تأييد أو أوامر من النيابة العامة
ودون علم رئيس المجلس الوطنى، وبالتالى يشكل الأمر حالة اختطاف. لجعل
الأمور أسوأ، كان جهاز الأمن الوقائى كياناً غير شرعى، لأنه يعمل دون تفويض
أو قرار من المجلس الوطنى. وهكذا تم اختطافى من قبل مجموعة منظمة من
المجرمين. تم اعتقالى مع اثنين من الحراس الشخصيين فى بلدة مسعد، ما أنقذنا
من الاغتيال هو أننى تمكنت من الاتصال بالرئيس فى الوقت المناسب قبل أن
يتم إغلاق شبكة الهاتف فى ظروف غامضة وأبلغته بما حدث. من المهم أن نلاحظ
أنه تم استخدام نفس التكتيك عندما تم أخذ الجنرال عبد الفتاح ورفاقه من خط
المواجهة، لأن شبكة الهاتف المحمول (ليبيانا) قد تعطلت فى ظروف غامضة
لمنعهم من إجراء مكالمات هاتفية، كان جزء من خطتهم أن يتم إعدامى فى (درنة)
بسبب تحقيقى حول الحركات الدينية المتطرفة فى المنطقة الشرقية، وسياساتهم،
ومرافق التدريب السرية التابعة لهم، والشكوك بأنهم بعد سقوط القذافى كانوا
فى طريقهم للقيام بأعمال إرهابية ضد المجلس الوطنى إذا قرر المضى قدماً
على الطريق الصحيح للديمقراطية العلمانية. كانوا سيلقون باللوم لاغتيالى
على جماعة متطرفة صغيرة فى درنة من أجل تجنب أى اتهام. فى مؤامرة مشابهة
جداً لتلك التى استخدمت ضد اللواء عبدالفتاح يونس باستخدام وسائل غسل دماغ
الشباب التى تتأثر بسهولة من قبل الأيديولوجيات الفاسدة التى يمكن التخلص
منها بسهولة وبتكلفة منخفضة جداً ودون أن يتم تتبع الجريمة الفعلية للوصول
إلى الجناة الحقيقيين.
يوم اعتقالى غير القانونى أعطى الرئيس ورئيس الأركان الأوامر بإطلاق سراحى
فوراً، ومع ذلك تم تجاهل هذه الأوامر تماماً من قبل كتيبة شهداء أبو سليم
ودائرة الأمن الوقائى، إلا أنه لم يكن باستطاعتهم اغتيالى بعد أن عرف
الرئيس مكانى، ومن يقف وراء اعتقالى لذلك قرروا احتجازى 53 يوماً، حيث
تعرضت للضرب والتعذيب والإذلال، كانت الغالبية العظمى من الاستجوابات حول
اللواء عبد الفتاح يونس العبيدى ومساعده العقيد محمد خميس العبيدى. لقد
اتهما بأنهما خونة ومن المجرمين والعملاء السريين للقذافى، وبالتآمر ضد
الثورة وكلما دافعت عنهما أكثر وقلت إنهما من دعائم الثورة ضد القذافى كنت
أتعرض لمزيد من الضرب والتعذيب المكثف. وبعبارة بسيطة كانوا يبحثون عن أى
شىء منى لإسقاط اللواء عبدالفتاح يونس، حتى لو اضطروا إلى اختلاق قصة.
المحزن فى الأمر أنهم نجحوا فى اغتياله بمساعدة على العيسوى من المكتب
التنفيذى، والقاضى جمعة الجازوى من مجلس القضاء التابع للمكتب التنفيذى
الذى قام فى نفس يوم إصدار مرسوم تشكيل مجلس القضاء بإصدار مذكرة اعتقال ضد
اللواء عبدالفتاح، وأشك فى كل من على العيسوى، الذى يطلق عليه وزير الشؤون
الخارجية والقاضى جمعة وقد أسهما عن طيب خاطر فى اغتيال اللواء عبد الفتاح
يونس. وأود أن أضيف أنه قبل نحو أربعة أشهر عقد على العيسوى اجتماعات سرية
وغامضة فى الخارج مع أبو زيد دوردة الذى كان فى ذلك الوقت رئيس جهاز
الاستخبارات الخارجية للقذافى.
وكان السبب الحقيقى والرئيسى للقبض على تخريب عملية إمداد الأسلحة
الاستراتيجية إلى الجيش لأنه أمر كان كفيلاً بوضع الجيش فى مقام أعلى من
الميليشيات الذين هم (رسمياً) يعملون تحت رئاسة وزير الدفاع بدلاً من أن
تكون تحت إمرة المؤسسة العسكرية (الجيش الوطنى) وبالتالى تحت إمرة عبد
الفتاح يونس العبيدى، الذى كان آنذاك رئيس أركان الجيش الوطنى. إن أفعالهم
ضدى وضد الجيش الوطنى وضلوعهم فى اغتيال اللواء يونس تعتبر خيانة بكل تميز،
لقد كانوا يكرهون اللواء يونس بينما هو كان شخصية وطنية تحظى بالاحترام من
قبل الغالبية العظمى من الليبيين ولذلك كانوا يريدون بأى ثمن منعه من أن
يصبح بطلاً قومياً حين يسقط النظام.
كانت عملية اختطافى، والاتهامات الباطلة ضدى - وأهمها أننى حصلت على 500
ألف يورو من الاستخبارات الخارجية الإيطالية للتجسس على المجلس الوطنى -
جزءاً من استراتيجيتهم لتشويه سمعتى تماماً أمام الرأى العام. لم يسبق لى
أن حصلت على الرشاوى من أى جهاز مخابرات فى العالم، وأنا الشخص الوحيد داخل
المجلس الوطنى الذى لم يحصل على ميزانية أو قام المجلس بتسديد نفقاتى. لو
كنت أرغب فى الحصول على نصف مليون يورو لكنت قد تمكنت من هذا بسهولة بل
والحصول على عشرة أضعاف هذا المبلغ من الأصدقاء ورجال الأعمال الآخرين، لقد
أنجزت كل واجباتى تجاه بلدى باستخدام الأموال الخاصة بى والتى جمعتها من
نشاطاتى السابقة كرجل أعمال فى دولة الإمارات العربية المتحدة. كنت أرى أنه
من المخجل استخدام المال العام الذى يحتاج إليه الشعب الليبى بصورة ماسة
وكنت على الدوام أشعر بالاشمئزاز من النفقات الهائلة التى ينفقها المسؤولون
فى المجلس الوطنى خلال رحلاتهم فى الخارج.
على النحو المبين فى الوثيقة التى سبق إرسالها إليكم، فقد حققت العديد من
الإنجازات العظيمة لصالح شعبى والثورة، ولكن مع الأسف تسبب هذا فى غيرة
الكثير من الناس داخل المجلس الوطنى بسبب علاقتى الخاصة جداً مع الرئيس ومع
رئيس هيئة أركان الجيوش. للأسف هؤلاء الناس يسعون فقط إلى الشهرة والسلطة
والمناصب. من ناحية أخرى حافظت على الدوام على هويتى وموقفى، وأنجزت العمل
سراً من أجل ضمان الكفاءة. عملى هو عمل الدبلوماسية الهادئة التى تجمع بين
واقعية السياسة والمخابرات، الأمر الذى لا يفهمه سوى قلة من الأشخاص على
الساحة السياسية الحالية. للأسف هذا النقص فى الفهم يوضح مرة أخرى العجز
السياسى الواضح داخل المجلس الوطنى.
ما هى علاقتك خلال عملك مع اللواء عبدالفتاح يونس؟
- بصرف النظر عن كونه صديقاً مقرباً لى وابن عمى فى قبيلة العبيدى، كان
اللواء يونس زميلى فى النضال الوطنى وتحرير ليبيا وحماية المسار الديمقراطى
الحر من أى أيديولوجية فاسدة من أجل الشعب الليبى وتمكين الليبيين من
تحديد قادتهم.
رسمياً عين الرئيس مصطفى عبد الجليل اللواء يونس ليتعاون تعاوناً كاملاً
معى فى موضوع توريد الأسلحة الاستراتيجية من حليف أوروبى محدد والقيام بخطة
سرية استراتيجية قمت بوضعها شخصياً، ووافق عليها الرئيس والتى من شأنها
زعزعة نظام القذافى وتدميره. كان جزء من هذه الخطة إجراء محادثات سرية مع
واحدة من أقوى الشخصيات من الحرس القديم للنظام الذى كان على استعداد
للتعاون الكامل معنا، وكبادرة حسن نية، تسليمنا عبدالله السنوسى وبشير صالح
للاعتقال والملاحقة والكشف عن كل الجواسيس الذين يعملون لحساب النظام فى
المنطقة الشرقية من ليبيا. وعقدت أول أربع جولات من هذه اللقاءات السرية فى
أوروبا، واللواء يونس كان حاضراً فى اثنين من هذه الاجتماعات.
لسوء الحظ، كنت فى هذه اللحظة على وشك استكمال المرحلة النهائية من هذه الخطة الاستراتيجية حين تم اختطافى من قبل المتطرفين.
ما هو موقف قبيلة العبيدات بعد الاغتيال؟
- يرجى الرجوع إلى الوثيقة المكتوبة بخط اليد باللغة العربية الممسوحة
ضوئياً. انظر أيضاً الوثيقة المرفقة حول جدى المباشر على باشا العبيدى الذى
كان بطلاً وطنياً ورجل دولة.
ما هو سبب الاغتيال وتأثيره على مستقبل ليبيا؟
- بالنظر فى الوقائع بصورة بحتة، فإن أسباب اغتيال يونس واختطافى وتعذيبى ومحاولة اغتيالى هى كما يلى:
1- لوقف توريد الأسلحة الاستراتيجية للجيش الوطنى مما يجعله قوة هامشية
بالمقارنة مع (سرايا الثوار) التى توحد الميليشيات الكبرى والثوريين فى
المنطقة الشرقية والذى عارض ما يجرى تحت قيادة رئيس هيئة الأركان فى الجيش
الوطنى، ووضع ضغوط هائلة على الرئيس، ونجح بالتالى فى أن يصبح كياناً
مستقلاً تحت إشراف وزير الدفاع جلال الدغيلى. وبالتالى مجموعة من
الميليشيات. (سرايا الثوار) تشمل على سبيل المثال لا الحصر كتيبة 17 فبراير
برئاسة فوزى بوكتف، إسماعيل سلابى، ومصطفى سقيلى، وكتيبة شهداء أبو سليم
التى يرأسها السيد عبد الباسط الشهيبى هارون. الشخصان الرئيسيان اللذان
يسيطران على هذه الميليشيات هما فوزى بوكتف وإسماعيل سلابى وكلاهما يحظى
بتأييد تام فى مجال الأسلحة والأموال من جانب دولة قطر وفرنسا. فى الآونة
الأخيرة ، وبعد تدخل الولايات المتحدة فى موضوع التطرف أوقفت قطر إمداداتها
إلى هذه الفصائل. فمن الأهمية بمكان أن نؤكد أنه فى زمن الحرب، أياً كان
من يسيطر على تدفق الأسلحة فإنه فى الواقع يسيطر على مجمل العملية السياسية
للدولة والأشخاص المذكورة أعلاه حريصة جداً على أن يكون لها النصيب الأكبر
فى المناصب الرئيسية للسلطة خلال العملية السياسية الليبية، وتفرض نفسها
باعتبارها (أمراً واقعاً) فى مجال القوة. أنا واللواء عبدالفتاح يونس
والجيش الوطنى كنا بمثابة العقبات الرئيسية لجدول أعمال المتشددين
والمتطرفين وبالتالى اختاروا خيانة الثورة التى زعموا الدفاع عنها من أجل
الوصول إلى أهدافهم.
2- كان اللواء يونس رجلاً يحظى بكاريزما نادرة ورجل دولة بكل المعايير.
تحت قيادته كان الجيش الوطنى يحرز تقدماً عسكرياً كبيراً خلال حصار
البريقة. الميليشيات المذكورة لم تكن تريد له أن يصبح بطلاً قومياً، لأنه
كان يكسب قلوب وعقول واحترام زملائه الثوار فى الزنتان، ونالوت، ومصراتة،
حيث كان الجميع على استعداد ليكونوا تحت قيادة الجيش الوطنى فى الغرب
والمنطقة المحررة. كان هذا يشكل تهديداً سياسياً خطيراً للميليشيات وكان
عائقاً خطيراً لجدول أعمالهم السرى إذا انضم الثوار فى الغرب لقيادة الجيش
الوطنى.
توجد حرب مصالح خفية بين القوى الغربية.. هل تترجم هذه الحرب على الأرض الليبية.. وما هى التقسيمة التى ستسفر عنها؟
- هذا أمر طبيعى وكان متوقعاً منذ بداية الثورة. كل الدول
الكبرى ترغب على الأقل فى المحافظة على مصالحها الاقتصادية قبل الحصول على
المزيد لذلك يستخدمون خدمات الاستخبارات الأجنبية لضمان اتخاذ التدابير
المناسبة لتأمين هذه المصالح. هناك خط رفيع بين ما يعتبر شراكة وتعاوناً
اقتصادياً وبين ما هو تجسس واضح. نعم هناك حرب سرية بين مصالح أجهزة
الاستخبارات الأجنبية العاملة فى ليبيا ولديهم عملاء. منذ اعتقالى انتشر
العديد منهم كما لو لم يكن هناك أحد للسيطرة عليها والحد من مناوراتها.
بالنظر إلى الولايات المتحدة الأميركية، كان الموقف السياسى حيال الثورة
دائماً متعدد الأقطاب، حيث إنها لأسباب سياسية وتكتيك الاستخبارات عملت على
ممارسة الضغط على المجلس الوطنى والمكتب التنفيذى وغيرهم من أجل تحقيق
أهدافها الاقتصادية والاستراتيجية. هذا التكتيك هو الأكثر فعالية عندما
يطبق على آلية ضعيفة وتفتقر إلى الخبرة وهو مع الأسف حال المجلس الوطنى.
لقد شهدنا جميعاً وقرأنا الوثائق التى تم اكتشافها من قبل الثوريين فى
مكاتب المخابرات العسكرية فى طرابلس والتى كشفت عن تفاصيل اجتماعات سرية
بين مسؤولين أميركيين وأعضاء فى النظام بعد بدء الثورة فى 17 فبراير
(شباط). لم تكن تلك صدمة بالنسبة لى، كان يمكن توقع هذا، ولكن كان أملى أن
يكون الثوريون فى طرابلس أكثر حكمة وكان من الممكن أن يستخدموا هذه الوثائق
كورقة ضغط سياسية قوية جداً فى المفاوضات المقبلة مع الولايات المتحدة
بدلاً من الكشف عنها فى هذا التوقيت وحرق هذه الأداة القوية للمفاوضات.
وهذا هو أيضاً ما أعنيه عندما أشير إلى قلة الخبرة السياسية للمجلس الوطنى.
فى المقابل من المؤكد أن القوات الأميركية الخاصة تحت قيادة وكالة
الاستخبارات المركزية هى على أرض الواقع فى مدينة بنغازى وغيرها من المدن
الليبية وتقوم بقديم المشورة وترافق القوات الليبية لشن هجمات على مدن سبها
وغدامس.
وسوف أخوض فى المزيد من التفاصيل فى الوقت المناسب، ولكن يمكننى أن أؤكد
لكم أن البلدين ذات أكبر تأثير إيجابى على الثورة الليبية والشعب الليبى
هما إيطاليا وقطر. فى الواقع أنا الشاهد الأول للدور التاريخى الذى لم يسبق
له مثيل الذى لعبته الحكومة الإيطالية لتحريرنا من الطغيان، وسيلاحظ دعمها
السياسى والإنسانى ويحظى بتقدير أجيال قادمة من الليبيين. كانت إيطاليا
صادقة وواضحة وداعمة منذ الأيام الأولى للثورة، وكانوا على قدر كبير من
الإدراك فى مرحلة مبكرة للغاية بأن نظام القذافى الفاشى قد انتهى. كما
اتخذت موقفاً أخلاقياً ومعنوياً فيما يتعلق بقتل المدنيين الأبرياء والعزل
من قبل نظام القذافى ولعب جهاز الاستخبارات الخارجية الإيطالية (AISE)
دوراً مهماً فى تسهيل العديد من الشؤون الاستراتيجية والسياسية والإنسانية.
ماذا كان الدور القطرى فى الثورة الليبية.. وكيف تفسر العلاقة الفرنسية - القطرية فى هذا الملف؟
- سأجيب عن هذا السؤال فى مرحلة لاحقة.
من هو الرجل القوى فى ليبيا الآن.. وكيف يصنع القرار فى هذه المرحلة؟
- هذا سؤال جيد جداً! هناك صراع واضح بين سلطة فوزى بوكتف وإسماعيل سلابى،
ومصطفى سقيلى من جانب (شرق ليبيا) وعبد الحكيم بلحاج وأتباعه من جهة أخرى.
أنا شخصياً لا أعرف السيد بلحاج ولا يمكن تأكيد أو نفى ما إذا كان لا يزال
مؤيداً لتنظيم القاعدة وفهمت أنه كان أيضاً ضحية لوحشية نظام القذافى.
أتمنى أن يكون صادقاً عندما يقول إنه يؤيد دولة المؤسسات والديمقراطية. ما
أنا متأكد منه هو أنه خلق أعداء فى المنطقة الشرقية خاصة مع إسماعيل سلابى
وفوزى بوكتف اللذين يعتبرانه عقبة أخرى أمام جدول أعمالهما.
للأسف تم اغتيال الرجل القوى الحقيقى الوحيد ورجل الدولة الذى قاتل منذ
بداية الثورة من أجل حرية الشعب الليبى والذى كان بإمكانه توحيد الثوار.
رحم الله اللواء عبدالفتاح يونس وروح كل رفاقه وجميع شهداء الثورة. خلقت
وفاة عبد الفتاح جواً من انعدام الثقة العامة فى المجلس الوطنى وقطاعاتها
السياسية والتنفيذية.
لدى الكثير من الاحترام للرئيس مصطفى عبد الجليل. إنه على صواب، ورجل صادق
ووطنى بكل المقاييس كما أنه شخصية موحدة لجميع الليبيين ولكنه للأسف قليل
الخبرة السياسية والدبلوماسية وليس متخصصاً فى هذا الشأن، ويستجيب لأكاذيب
المنافقين المحيطين به، المنافقين الذين رأوا فى علاقتى الخاصة بالرئيس
تهديداً لجدول أعمالهم كما أوضحت الأمور له ونصحته فى المسائل السياسية
والاستراتيجية. أعتبر الرئيس اليوم رهينة سياسية لقوة المتطرفين الأقوى
بكثير من المجلس الوطنى وأدعو جميع القبائل، وخاصة قبائل المنطقة الشرقية
وأهمها قبيلة العبيدى، للوقوف إلى جانب الرئيس وحمايته من كل أذى ومن أى
مؤامرة ضده أو ضد الأمة. نعم إننى أشعر بقلق بالغ بشأن سلامته.
ما هو حجم الجيش الوطنى بالمقارنة مع الثوار؟
- الجيش الوطنى اليوم مع وحدات القوات الخاصة يمثل نحو ربع القوى الثورية.
كثير من الناس يريدون الانضمام إلى الجيش الوطنى ولكن لم يتم ترشيح أحد حتى
الآن كرئيس جديد للأركان، وهذا يرجع إلى ظروف مشبوهة للغاية التى تفرضها
(سرايا الثوار) على المجلس الوطنى بشأن ولاية وصلاحيات رئيس أركان الجيش
الوطنى. النقطة الأكثر إثارة للاهتمام أنهم لا يريدون للجيش الوطنى السيطرة
على شحنات الأسلحة.. أنا متأكد من أنك ستربط بين هذه النقطة الآن
بالمؤامرة التى سبق أن تحدثت عنها فى هذه المقابلة.
هل سيكون لقبيلة العبيدات دور فى مستقبل ليبيا.. وهل ما زلتم خائفين من الاغتيالات والاعتقالات؟
- قبيلة العبيدى هى جزء لا يتجزأ من التراث والتاريخ فى ليبيا ومثلها مثل
القبائل الكبرى الأخرى فى ليبيا، وكان لها دائماً دور إيجابى فى السياسة
الليبية، وتعتبر عاملاً رئيسياً فى تحقيق الاستقرار للمجتمع الليبى. قبيلة
العبيدى سيكون لها دائماً دور فى بناء دولة قوية وذات سيادة وفى الدفاع عن
الشعب الليبى ومصالحه. وقد ثبت مراراً وتكراراً هذا الدور للقبائل فى
تاريخنا.
سيكون هناك دائماً أعداء للحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون
والديمقراطية وطالما وجد الأعداء أخشى أن يكون هناك مزيد من محاولات
الاغتيال ضدى أو ضد من يقف أمام أى نوع من الفكر الفاشى. المفارقة هى أننى
أقاتل من أجل حقوق الجميع، بما فى ذلك المتطرفون، من أجل تشكيل الأحزاب
السياسية ودخول عصر الديمقراطية فى ليبيا الجديدة فى ظل سيادة القانون
والدستور فقط. من ناحية أخرى فإن المتطرفين يقاتلون فقط من أجل ما يرونه
ظلماً واجباً للشعب الليبى بدلاً من القتال من أجل حق الشعب الليبى فى
اختيار قيادته، ولهم الحق فى تغيير قيادتهم على النحو الذى يرونه مناسباً
فى إطار دستور عادل وسيادة القانون.
تحدث الإعلام الفرنسى عن دور قوى لقبيلة الزنتات.. هل يمكن أن تحدثنا عن هذا الدور؟
- سوف أتناول هذه النقطة فى مقابلة أخرى معك.
هل توجد مخاوف من سيطرة إسلاميين متطرفين على الحكم.. وهل المجلس الانتقالى قادر على الإمساك بالأمور؟
- قطعاً هناك الخوف من أن تحاول الحركات المتطرفة السيطرة على البلاد،
وسوف يسبب هذا الكثير من الضرر. الأغلبية الساحقة من الليبيين من المسلمين
المعتدلين الذين يقدرون قيم الحرية والديمقراطية والكرامة. أستطيع أن أقول
إنه بعد 42 سنة من طغيان القذافى فإن الشعب الليبى لن يقبل أى حكم طاغية
جديد.اليوم يعانى المجلس الوطنى من الضعف وهذا يرجع أساساً إلى عدم التبصر،
وعدم التفاهم فى السياسة العامة، والشؤون الجيوسياسية والجيوستراتيجية.
هذا الضعف بكل أسف لصالح المتطرفين والعناصر التى تعمل تحت السيطرة الكاملة
للمتطرفين إما بسبب الخوف أو الطمع فى موقف سياسى فى إطار القوة.
من هى القوة الأكبر حجماً فى الثورة الليبية؟
- أجبت عن هذا فى السؤال رقم 10.
هل هناك مخاوف من نزعات انفصالية لمنطقة غرب ليبيا (الأمازيغ) بعد دورهم الكبير فى الثورة وتحرير طرابلس؟
- لا أعتقد أن هناك حركات انفصالية فى ليبيا الغربية. كما قلت لعبت القبائل
دوراً حيوياً رائعاً جنباً إلى جنب مع قبائل الزنتان ومصراتة وأساساً فى
برقة (شرق ليبيا) والذين كان لهم دور فعال فى تنظيم ودعم المقاومة فى
المنطقة الغربية بأكملها ضد نظام القذافى وفى تحرير طرابلس. سيكون هناك
دائماً بعض الحساسيات القبلية وهذا أمر طبيعى فى أى مجتمع وفى الواقع نفس
هذا الأمر يسهم فى التوازن الشامل للمجتمع الليبى، والحكم لكننى أعتقد بقوة
أن مثل هذه الحساسيات طفيفة.
كلمة ختامية
لقد ناضلت للدفاع عن مبادئ الحرية والديمقراطية وسيادة القانون، والعدالة،
والمساواة، والدستور فقط وهى دولة يجب أن تقوم على المؤسسات واحترام القيم
الأساسية لحقوق الإنسان والحكم والنزاهة والشفافة ومساءلة السياسيين. اليوم
أرى ثورة مختلفة عن تلك التى حاربت من أجلها، ثورة تعرضت للاتساخ بسبب
طموحات الفاشية والأيديولوجيات الفاسدة. كانت (جريمتى) دعم دولة قوية
وديمقراطية ومؤسسة عسكرية يكون واجبها هو الدفاع عن الدستور وشعب ليبيا من
أى أعداء، سواء من المحليين أو الأجانب، وهذا فى ظل سيادة القانون. نعم،
هذه الثورة قد تلطخت وتمت سرقتها من الرجال والنساء من جميع أنحاء ليبيا
الذين قاتلوا من أجل حقنا فى الحرية، والذين أصبح عدداً لا يحصى منهم شهداء
فى سبيل الحرية والديمقراطية. لا يمكننا السماح بخيانة دمائنا التى تدفقت
فى ميادين المعركة. هذه الثورة الآن بحاجة إلى تطهير. هذه الثورة تحتاج
الآن إلى نهضة لأن هذه ليست الثورة التى قاتلنا من أجلها وهذه ليست ليبيا
التى كنت آمل فيها. أنا على ثقة فى حكمة الشعب الليبى وخاصة شبابنا الشجعان
بحيث لا يقعون فريسة الاتباع الأعمى للرجال أصحاب الأيديولوجية الفاسدة بل
ليفكروا بأنفسهم ويتعلموا من الماضى والحاضر وأن يختاروا بحكمة القادة
الذين يكون واجبهم خدمة الشعب وحمايته. هم فقط باستطاعتهم إنقاذ بلدنا من
قوة الشر الأكبر بكثير من القذافى. فليبارك الله ليبيا، ليبارك الله
الثوريين الحقيقيين، وليحفظنا الله جميعا.