المكشوف والمستور عن "داود أوغلو" مهندس تركيا الحديثة
كاتب الموضوع
رسالة
Admin Admin
المساهمات : 632 تاريخ التسجيل : 18/02/2011
موضوع: المكشوف والمستور عن "داود أوغلو" مهندس تركيا الحديثة السبت سبتمبر 15, 2012 12:48 pm
المكشوف والمستور عن "داود أوغلو" مهندس تركيا الحديثة
تقرير خاص لصحيفة المشرق الإيرانية: ترجمة علي العبد الله
من الذي رسم نهج تركيا الحديثة ؟ من هو مهندس العلاقات الخارجية في الحزب الحاكم التركي؟ هل يسعى المسؤولون الأتراك لإحياء الإمبراطورية العثمانية؟ كيف سيكون شكل الاستراتيجية التركية لجهة موقعها في مستقبل العلاقات الدولية ؟ الاجابة عن هذه الاسئلة في هذا التقرير . ــــــــــ قسم التقارير الخاصة في "المشرق":
كانت تركيا أبان الحرب الباردة تعمل كـ"دولة هامشية " في حلف الشمال الأطلسي (الناتو )، وهي حالياً دولة تحافظ على مركزها في المحيط، وهي البلد الوحيد في حلف الناتو التي كانت إلى جانب النروج التي لها حدود مع الاتحاد السوفيتي ولهذا فقد كانت أول مكان طبق فيه مبدأ ترومان [1] أي احتواء الشيوعية. وهذا النوع من التبعية للغرب كان موضع ترحيب النخب الحكومية التركية، علماً بأنهم أبقوا أنفسهم والجزء الجنوبي الشرقي من أوروبا في مأمن من براثن الشيوعية طيلة 44 سنة مقابل الحصول على المزيد من المال والسلاح .
في أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي انهار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي، وبدأ كل من صومائيل هنتنجتون وفرانسيس فوكوياما وروبرت كابلان وهم منظرو "سياسة الاحتواء"[2] ومستشارون ودبلوماسيون وعلماء في العلوم السياسية بكتابة مؤلفات بعد الحرب الباردة بأفكار مشوشة، في حين بدأ باحث آخر في مجال العلاقات الدولية برسم خارطته الجديدة من منظور جيوسياسي جديد للعالم.
سيرة حياة قصيرة لداوود أغلو:
ولد أحمد داوود أوغلو في 26 شباط عام 1959 م . تلقى تعليمه الثانوي في ثانوية اسطنبول للذكور (İstanbul Erkek Lisesi) بعد ذلك تخرج من جامعة بوغازيجي 1983 من فرعي العلوم السياسية والاقتصادية في كلية الاقتصاد وعلوم الإدارة، ليتم بعد ذلك مرحلة الماجستير في كلية الإدارة العامة وليحصل على شهادة الدكتوراه من كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة بوغازيجي. بعد ذلك أصبح أوغلو عام 1990م استاذاً مساعداً في الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا وهناك أسس كلية العلوم السياسية وحتى عام 1993 م تولى رئاستها لتتم ترقيته في العام نفسه إلى درجة استاذ جامعي.
وبين عامي 1995 و1999 م عمل أوغلو في التدريس في جامعة مرمرة في مؤسسة دراسات الشرق الأوسط ومؤسسة التأمين والمصارف، كما درس في مرحلة الدكتوراه في كلية العلوم السياسية . وعكف بين عامي 1998 و2002 م على التدريس كأستاذ موكل في الكلية العسكرية والكلية الحربية.
بعد انتخابات تشرين الثاني عام 2002م عمل داوود أوغلو كمستشار رئيسي لرئيس الوزراء والسفير الكبير في الحكومة الثامنة والخمسين التركية.[3] لتستمر خدماته في الحكومتين التاسعة والخمسين والستين التركية . بعد عام 1995 حتى عام 2004 م عمل أوغلو في جامعة بي كنت في أسطنبول كعميد لكلية العلاقات الدولية وكذلك عضو مجلس أعيان الجامعة وكذلك الهيئة الإدارية، وكلف كأستاذ في جامعة مرمرة أيضاً. نشر البروفيسور داوود أوغلو عدة كتب ومقالات في مجالات السياسة الخارجية التركية وباللغتين التركية والإنكليزية. وقد ترجمت كتبه ومقالاته إلى لغات عدة من جملتها اللغة اليابانية والبرتغالية والروسية والعربية والفارسية والألبانية . في الأول من شهر مايو عام 2009 م عُين أوغلو كوزير للخارجية الستين في حكومة الجمهورية التركية . [4]
داوود أوغلو متزوج ولديه 4 أولاد . وفضلاً عن إتقانه للتركية فإنه متقن أيضاً للإنكليزية والعربية والألمانية [5]. ومن كتبه: " تأثير رؤية العالم الإسلامي والغربي على النظرية السياسية"،و"العمق الاستراتيجي "و" أزمات العالم " باللغة التركية [6] ويدعي أوغلو أنه عرض نفسه للخطر أثناء احتراق منزله وذلك لإخراج مسودات كتاب "العمق الاستراتيجي" التي يعتبرها ثمرة ونتاج حياته .
نظرية السياسية الخارجية التركية في عهد داوود أوغلو
وكما تمت الإشارة في السابق، كانت السياسة الخارجية التركية مقرونة ومتلازمة مع اسم داوود أوغلو وذلك في عهد سيطرة حزب العدالة والتنمية. وقد شرح أوغلو سياسته الخارجية في عدة كتابات من ضمنها كتاب "العمق الاستراتيجي " عام 2001م، وقد أدى تطبيق نظرية السياسة الخارجية لداوود أوغلو إلى أن تشهد السياسة الخارجية التركية انفتاحا ً كما ازدادت أهمية الدور الدبلوماسي التركي خاصةً في منطقة الشرق الأوسط [7]. وبالطبع فقد تعرضت هذه النظرية في بعض النواحي لتحديات جدية. ويمكن اعتبار المسألة السورية من أهمها وهو أمر سرعان ما جوبه بانتقادات واسعة في الداخل التركي .
هل يلهث السياسيون الأتراك وراء إحياء العثمانية الجديدة ؟
على الرغم من أن البعض يعتبر أن نظرية داوود أوغلو رديف لمصطلح "العثمانية الجديدة" إلا أن الاستفادة من هذه الكلمة ستكون إلى حدود غير معروفة. فالعثمانية حركة سياسية وليبرالية ظهرت في القرن التاسع عشر وكان هدفها إيجاد هوية وطنية مدنية عثمانية بما تحتضنه من هويات قومية ولغوية ومذهبية مختلفة. وأما مصطلح "العثمانية الجديدة" فقد استخدم في وقت ليس ببعيد وذلك لتوصيف السياسة الخارجية لتورغوت اوزال[8 ] الرئيس الراحل للجمهورية التركية عام 1980م. ورغم أن سياستهم ( في عهد تورغوت أوزال) تتضمن أيضاً صراعاً متفاقماً في الشرق الأوسط إلا انه يتشابه قليلاً مع مفاهيم مستخدمة في نظرية داوود أوغلو . وفي الواقع إن الموقع الجغرافي لتركيا يحتم عليها أن تتعامل وتتواصل بصورة مستمرة في كل حالة مع الدول المنبثقة عن الإمبراطورية العثمانية .
ما هي السياسة الخارجية المطلوبة لداوود أوغلو ؟
رغم أن الجغرافية السياسية هي إحدى الأطر المفتاحية للتفكير الاستراتيجي عند داوود أوغلو إلا أنها تكتمل من قبل عناصر أخرى كـ"القوة الناعمة" من خلال حل المعضلات وترويج لأسلوب حل " الفوز ـ الفوز". حيث أشار أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي" إلى أن تركيا تتمتع بموقع تاريخي وجغرافي لذلك فإنه يمكن أن توضع في خانة "القوى المركزية". كما يعتقد أوغلو أن تركيا لا ينبغي أن تقتنع فقط بدور إقليمي في البلقان أو الشرق الأوسط لأنها ليست فحسب قوة إقليمية بل إنها قوة مركزية. ولذلك فإنه يفترض بها أن تلعب دوراً استراتيجياً في مناطق عدة وبهذا الشكل ترتقي أيضاً إلى مصاف أهميتها الاستراتيجية والعالمية [9].
وفي نظر داوود أوغلو، تركيا بلد فعال في الشرق الأوسط والبلقان والقفقاز وآسيا الوسطى ومنطقة الخزر والمتوسط والخليج الفارسي والبحر الأسود وبإمكانها من خلال إعمال نفوذها في جميع هذه المناطق أن يصبح لديها دور استراتيجي في العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أوغلو ليس مع فكرة أن تكون تركيا جسراً بين الإسلام والغرب لأن هذا الأمر يخفض دور تركيا كأداة للارتقاء بالمصالح الاستراتيجية للدول الآخرى .
سببان رئيسيان عند داوود أوغلو لنجاح تركيا
يعتبر داوود أوغلو أن ثمة شرطين لنجاح تركيا في هدفها في التوسع الاستراتيجي في العالم ، الأول يتعلق بالموقع الداخلي لتركيا في حين أن الشرط الثاني يتطرق إلى علاقة تركيا مع دول الجوار؛ ففي الجبهة الداخلية يتوجب على تركيا أن تجد حلاً للمسألة الكردية وكذلك إيجاد جسر بين العناصر العلمانية والإسلامية في المجتمع التركي .
يريد داوود أوغلو حل كلا المسألتين على أساس الأصول الليبرالية: من حيث الإمكانية الاستراتيجية التركية لحل قضية الأكراد بشكل منصف وحقوق الأقليات وكذلك الحصول على اجماع ليبرالي بشأن قضية العلمانية بين جميع طبقات المجتمع التركي .
على الساحة الدولية كان أوغلو يشير إلى أنه يتوجب على تركيا أن تطور علاقاتها الثنائية مع جميع دول الجوار. وكان يفسر استخدام مفهوم "تصفير المشاكل مع الجيران " بأن تركيا في العقود الأخيرة سعت كثيراً نحو ترسيخ مفهوم الحوار والنقاش مع دول الجوار وكذلك وجوب أن توجد علاقات حميمية معهم، وذلك من أجل وصولها إلى قيادة إقليمية ودور عالمي ، هذا فضلاً عن ضرورة أن تبنى السياسة الخارجية التركية على أساس حل الإشكالات التي يواجهها الجهاز الدبلوماسي التركي [10].
هل ستتحول تركيا إلى قائد للمنطقة ؟
أنصار نظرية السياسية الخارجية التركية أي "نظرية داوود أوغلو" يريدون أن يحولوا تركيا إلى نجمة متلألئة في المنطقة وأن تظهر على أنها قائد "الربيع العربي "، هذا في حين أن داوود أوغلو صرح بأن " تركيا ستوجه وترشد تطور الأحداث في الشرق الأوسط كقائد وخادم لها ".
كما تشير تطورات الأحداث في سورية والعراق إلى أن "الربيع العربي" يمكن أن يتحول إلى شتاء عند داوود أوغلو، وذلك مع استمرار المشاكل مع العراق وعلى رأسها موضوع طارق الهاشمي وأيضاً التدخلات التركية بين الفينة والأخرى في الشأن الداخلي العراقي، وكذلك مسألة الأكراد المعارضين للدولة التركية والمستقرين في الأراضي العراقية . ولا يخفى على أحد أن سفر داوود أوغلو إلى العراق ولقائه مسؤولي كردستان العراق من دون التنسيق اللازم مع مسوؤلي الدولة العراقية، لقي انتقادات حادة من قبل حكومة نوري المالكي. وبهذا الشكل يبدو أن العلاقات بين تركيا وجيرانها الجنوبيين شابتها مشاكل عديدة بحيث انه لا وجود حتى اللحظة لمنهج واضح لحل هذه المشاكل .
كان داوود أوغلو قد راهن على الإطاحة السريعة بالرئيس السوري بشار الأسد، وهذا ما كان بمثابة مقامرة يبدو أن مخاطرها تزداد يوماً بعد يوم [11] في الوقت الذي كانوا فيه يؤسسون لعلاقات حميمية مع النظام السوري خلال سنوات عديدة مضت وذلك طبقاً للسياسة التركية المعتمدة، سياسة "تصفير المشاكل مع الجوار"، وحتى أنه كان يتردد على المسامع حينها عن سعي بشار الأسد لأن يطبق نموذج الحكم التركي في سورية.
لقد كان بإمكان تركيا وفي سبيل حفظها لمصالحها مع طرفي النزاع في سورية أن تدخل في حوار وأن تتعامل وتلعب دور الوساطة "الساعي للخير" حتى تستطيع ، سواء في حال سقوط الأسد أم في حال بقائه وبالاعتماد على منطق القوة، أن يكون لها دور اللاعب والفاعل في هذه الأزمة . لكن يبدو أن داوود أوغلو خُدع بتقارير المؤسسات الاستخباراتية الغربية والإسرائيلية وبعض الدول العربية حيث انه دخل هذه اللعبة من منطلق تأكده من هزيمة وشيكة لـ"بشار الأسد" إلا أن ذلك تحول تدريجياً إلى مستنقع للسياسة الخارجية التركية .
هل تحولت سورية إلى مستنقع لأفكار داوود أوغلو السياسية ؟
سرعان ما أدت الأزمة السورية إلى تقوية علاقة إيران مع جيرانها في الشرق وأيضاً أدت إلى اتساع التوترات وحتى أن البعض علم بالصراع الاستراتيجي بين إيران وتركيا في سورية [12] وبهذا الشكل أصيب منهج عمل "تصفير المشاكل مع الجيران " بتناقضات كثيرة وهذا ما أدى إلى أن تغرق القيادة الإقليمية التركية إلى جانب مستقبل السياسة الخارجية في هالة من الإبهام .
هل الشائعات الحالية أنه في حال فشل نظرية داوود أوغلو سيضطر أردوغان إلى إزاحته؟ وأنه أيضاً سيوضع في خانة المنظرين الفاشلين ؟ هل ستكون تلك حقيقة ؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ستتضح مع مرور الوقت. ـــــــــــــــــــــــــ