موضوع: المواقف الخليجية ضد بغداد ودمشق وطهران السبت سبتمبر 08, 2012 10:03 pm
المواقف الخليجية ضد بغداد ودمشق وطهران بغداد ـ عادل الجبوري
في الوقت الذي تغيب فيه أية مؤشرات حقيقية وواقعية وملموسة لفك العقد ومعالجة الاشكاليات القديمة والجديدة بين العراق من جهة، ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة اخرى، تبرز باستمرار مواقف خليجية ـ اما منفردة من هذه الدولة او تلك ـ او جماعية تحت عنوان مجلس التعاون الخليجي، تبدو وكأنه يراد منها اضعاف العراق وعزله ونقل صورة سلبية قاتمة لواقعه، وارغامه على تبني مواقف اخرى. آخر المواقف الخليجية التي قوبلت بردود فعل عراقية ـ رسمية وغير رسمية غاضبة ـ هو ما جاء في البيان الختامي لاجتماعات الدورة 124 لدول مجلس التعاون الخليجي بشأن العراق التي عقدت في مدينة جدة السعودية مطلع الشهر الجاري، اذ دعت الدول الخليجية الحكومة العراقية الى "القيام بمسؤولياتها لتعزيز وحدة العراق واستقراره وازدهاره، وتفعيل دوره في بناء جسور الثقة مع الدول المجاورة على أسس مبادئ حسن الجوار". كما شددت في البيان "على أهمية بذل جميع الأطراف في العراق الشقيق الجهود لتحقيق مصالحة سياسية دائمة وشاملة، تلبي طموحات الشعب العراقي، وتؤسس لدولة آمنة ومستقرة، تقوم على سـيادة القانـون، واحترام حقوق الإنسان، لكي يعاود العراق دوره المؤازر للقضايا العربية". وزارة الخارجية العراقية اعتبرت الموقف الخليجي الاخير بمثابة تدخل في الشوؤن الداخلية واستنكرت في بيان لها ما جاء في البيان الخليجي، وقالت "انه جاء في بيان مجلس التعاون الخليجي تشكيك بقيام الحكومة العراقية بمسؤولياتها تجاه شعبها والدول المجاورة، علماً ان العراق الجديد ومن خلال العملية السياسية قد قطع اشواطاً بعيدة في طريق تحقيق الحريات الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والمصالحة الوطنية وسيادة القانون واحترام التزاماته الدولية. كما ان عملية التحول الديمقراطي التي حصلت في العراق قد تجاوزت الكثير من هذه المواقف المسبقة عن الاوضاع الداخلية في بلادنا. وانطلاقاً من هذا النهج قامت حكومة العراق وبحسن نية بتنفيذ التزاماتها بموجب القرارات الدولية بشأن العلاقة مع دولة الكويت الشقيقة وتأكد ذلك في اللقاءات المتعددة بين مسؤولي الدولتين العراقية والكويتية ومحاضر الاجتماعات والاتفاقات الموقعة بينهما". وفي الوقت الذي شددت الخارجية العراقية على حرص بغداد على ادامة العلاقة الطيبة مع دول مجلس التعاون الخليجي وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى، فإنها طالبت جميع الدول باحترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية. ويأتي الموقف الخليجي الاخير في خضم تصعيد خارجي ضد العراق ارتباطاً بموقفه المتوازن من الازمة السورية، وكجزء من مخطط واسع لاعادة صياغة وترتيب المعادلات السياسية في المنطقة على اسس طائفية، وهذا المخطط تشارك فيه بفعالية دول خليجية مثل المملكة العربية السعودية وقطر، اضافة الى قوى اقليمية ودولية اخرى مثل تركيا. وتزامن ذلك الموقف مع معلومات تحدثت عن تشكيل ما يسمى بالجيش العراقي الحر على غرار الجيش السوري الحر، وتمويله ودعمه من الرياض والدوحة. وبهذا الخصوص يؤكد نائب رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية ـ والذي هو عضو في القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي ـ اسكندر وتوت وجود مخطط سعودي ـ قطري يهدف الى إفراغ المنطقة من السلاح وتحقيق ما يسمى بـ"الشرق الاوسط الجديد". ويقول وتوت، الذي كان ضابطاً عسكرياً برتبة عالية في عهد نظام صدام، وشغل منصب محافظ بابل خلال عامي 2004 و 2005 "إن تهريب الاسلحة في منطقتي الوسط والجنوب ليس مجرد اشاعات، بل ان هناك معلومات استخبارية دقيقة تفيد بوجود تجار مدعومين من دولتي قطر والسعودية يعملون على شراء الاسلحة بهدف افراغ المنطقة من الاسلحة وتهريب قسم منها الى المعارضة السورية وتحقيق ما يعرف بالشرق الاوسط الجديد"، مشيراً الى "ان اسعار قطع السلاح في المنطقتين الوسطى والجنوبية ارتفعت الى الضعفين". وكنا قد اشرنا في مقال سابق تحت عنوان "جيوش حرة بمقاسات الرياض والدوحة وتل ابيب" الى معلومات مؤكدة عن دور سعودي وقطري يهدف الى تأزيم الاوضاع الامنية في الساحة العراقية، والعمل على خلط الاوراق في سوريا والعراق ومواقع اخرى بشكل متزامن. ولجدية وخطورة المخطط الخارجي ضد العراق اصدر مراجع دين مثل الشيخ بشير النجفي والسيد كاظم الحائري والشيخ محمد اليعقوبي فتاوى تحرم بيع السلاح من قبل مالكيه. الى ذلك يؤكد عضو البرلمان العراقي عن التحالف الوطني (كتلة المواطن) والامين العام لحركة الجهاد والبناء حسن الساري "وجود جهات من حزب البعث المنحل واجندات خارجية وداخلية تعمل للايقاع بين الكتل السياسية من خلال التشكيك في حلها للازمة بعد الحراك السياسي الذي شهدته العملية السياسية لانهاء الازمة الراهنة"، مشيراً الى "ان تلك الجهات تحاول زعزعة الاستقرار الامني والسياسي بعد المبادرات التي اطلقت لانهاء الازمة، حيث انها ترى ان الحراك السياسي الدائر بين الاطراف السياسية لانهاء الازمة لا يساعدها على تحقيق مآربها في العراق من خلال عدم اخذه دوره الريادي في المنطقة والعمل على زعزعة استقراره السياسي والامني". الى ذلك يشير عضو آخر في البرلمان عن ائتلاف دولة القانون المنضوي تحت مظلة التحالف الوطني الى ان بيان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي حول العراق يعد تدخلاً سافراً بالشأن العراقي، متهماً بعض دول الخليج بتصدير الإرهاب لدول المنطقة. ويقول النائب محمد الصيهود "إن بيان دول مجلس التعاون الخليجي يهدف إلى تصدير مشاكلهم الداخلية لبعض للدول الإقليمية والعربية وهو تدخل بالشأن العراقي، وإن دول الخليج تصدر الإرهاب والأموال الداعمة له والأسلحة للعراق الى جانب الفتاوى التكفييرية، فضلاً عن تصديرها الأسلحة والأموال للمتطرفين في سوريا لقتل الشعب السوري وإضعاف جيشه". وفي اطار تقييم الموقف الاميركي من مجريات الاحداث في العراق يقول النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان "إن الولايات المتحدة ليست مهتمة بالشأن العراقي أو بحل مشاكله، بل تسعى إلى الضغط عليه حتى يسير بالاتجاه الأميركي فيما يتعلق بسوريا وإيران". ولفت عثمان إلى "أن المرشحين للرئاسة الأميركية لم يتحدثوا عن العراق لأنهم يعلمون أن للناخبين أموراً وأفكاراً سلبية عن حرب العراق والضحايا الذين سقطوا خلالها". وتجدر الاشارة الى ان وفداً من الكونجرس الاميركي ضم كلاً من جون ماكين ولندزي غرام وجوزيف ليبرمان ـ وثلاثتهم يعدون من المقربين لاوساط اليمين الاسرائيلي ومن رموز تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية ـ زار بغداد في الرابع من شهر ايلول/سبتمبر الجاري، وقبله بأيام قلائل جاءت مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى اليزابيث جونز، وقبل ذلك جاء رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيش الاميركي الجنرال مارتن ديمبسي. والهدف الاساسي من كل ذلك الحراك الاميركي نحو العراق يتمثل بالسعي الحثيث لتعبئة وتحشيد المواقف ضد سوريا وايران. وتدرك واشنطن ان ذلك لا يمكن له ان يتحقق الا عبر البوابة العراقية، وهي في حال فشلت باقناع صناع القرار السياسي العراقي بتغيير مواقفهم حيال سوريا، فإنها يمكن ان تعمد الى اغراق العراق بكم هائل من المشاكل والازمات ـ لا سيما الامنية منها ـ وفي هذا الاطار فإنها لا بد ان تستخدم ادواتها وحلفاءها الاساسيين في المنطقة كالسعودية وقطر وتركيا و"اسرائيل"، ومؤشرات وملامح ذلك التوجه راحت تتضح وتتجلى يوماً بعد آخر، ومن غير الممكن النظر الى ما جاء في البيان الخليجي الاخير بمعزل عن مجريات وتفاعلات الامور في المنطقة. [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]