محمود جبريل : الصراع على الكعكة قبل دخولها الفرن
صحيفة الحياة الللندنية
اجرت اللقاء في نيويورك راغدة درغام
انتقد رئيس المكتب التنفيذي لـ «المجلس
الوطني الانتقالي» في ليبيا الدكتور محمود جبريل «قلب الأولويات» لدى بعض
الأطراف المنضوية تحت عباءة المجلس، مشيراً إلى أن كثيرين «بدأوا الصراع
على الكعكة السياسية قبل أن تدخل الفرن». وقلل من نفوذ الإسلاميين في صفوف
الثوار، معتبراً أن «كل التيارات السياسية مفلسة وتساوم باسم الثوار». ورأى
أن الشباب سيرجحون الكفة بعد انتهاء المعارك مع بقايا نظام العقيد المخلوع
معمر القذافي.
وأكد في مقابلة مع «الحياة» في
نيويورك على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضرورة
أن تكون الحكومة المقبلة ممثلة لجميع المناطق، معترفاً بوجود «اختلافات في
الرأي في شأن أولويات الحقائب بالنسبة إلى هذه المرحلة». لكنه شدد على أن
«هذه الحكومة لو اتسعت لتشمل كل ألوان الطيف وكل المناطق الليبية ربما
تساعد على إحداث الاستقرار واستتباب الأمن في تلك المرحلة». وأوضح أن
المجلس الانتقالي والحكومة الموقتة ليسا جهة اتخاذ قرارات، وأن هذا الأمر
يجب أن يترك للحكومة المنتخبة التي قال إنه لن يكون جزءاً منها. وفي ما
يأتي نص المقابلة:
لنبدأ بما هو متداول الآن، وهو خيبة أمل لعدم توافر وحدة في صفوف القيادة الليبية. لماذا تتقاتلون على السلطة والأمور لم تنته بعد؟
- أعتقد أن السؤال مشروع جداً.
حقيقة، نسي أو تناسى كثيرون أن الأرض لم تحرر بعد وأن المعركة لم تنته،
فبدأوا صراعهم السياسي مبكراً، وكنت أتمنى ألا تُقلب الأولويات. كنت أتمنى
أن يؤجل الصراع السياسي والمنافسة حتى انتهاء معركة التحرير وإلقاء القبض
على القذافي وتحرير كامل التراب الليبي، وحتى يوضع الدستور لتحدد قواعد
اللعبة السياسية فيتحول هذا الصراع إلى صراع حضاري بمعنى الكلمة تحكمه
قواعد دستورية محددة.
وهذا ما لم يحدث...
- هذا ما لم يحدث للأسف. دخل كثيرون
إلى الحلبة ظناً منهم أن المعركة انتهت وأنه آن الأوان لتقسيم الكعكة
السياسية. وجهة نظري أن الكعكة السياسية لم تُخبز بعد ولم تدخل الفرن،
فالقذافي ما زال حراً طليقاً يملك المال ويملك الذهب، وما زال يسيطر على
بعض الأراضي الليبية العزيزة، وبالتالي ليست هناك كعكة للاقتسام بعد.
أين هو معمر القذافي؟
- التقارير كثيرة، لكن لا أحد
يستطيع أن يجزم بالتحديد بمكانه. آخر التقارير يقول إنه في الجنوب، في
منطقة سبها، وهناك من يقول إنه يتنقل بين سبها وتراغن، وهناك من يقول أنه
يدخل إلى أغاديس في شمال النيجر ويخرج.
يعني عنده حرية التحرك.
- هذه المنطقة يسيطر عليها الطوارق، وبعض منهم له ولاء كبير جداً للقذافي.
وماذا إذا بقي القذافي وأولاده أحراراً؟
- التكييف السياسي والقانوني للوضع
الآن أن النظام سقط ولكن الأرض لم تتحرر، فأنت أمام تكييف يقول إن معمر
القذافي وأبناءه يعتبرون منشقين عن النظام الحالي بعد أن كانت القضية
معكوسة، فبسقوط النظام في طرابلس وانتهاء الحكومة، سقطت قدرة النظام على
مخاطبة العالم. لم تعد هناك آلة لاتخاذ القرار السياسي في العاصمة. كل هذه
مؤشرات على أن النظام سقط فعلياً، إلا أنه ما زال حراً طليقاً ويعتبر طريد
عدالة.
هناك انتقادات لكم لعدم الاستمرار بمسار العدالة عبر المحكمة الجنائية الدولية، وبينكم من يريد أخذ العدالة بيديه والانتقام...
- هذا غير صحيح. ما قيل فعلاً عبر
الموقف الرسمي للمجلس أن إلقاء القبض على القذافي ومصيره القضائي سيترك إلى
الاستشاريين القانونيين ليحددوا إذا كانت الأولوية هي للقانون المحلي على
القانون الدولي. العملية ستكون مهنية بحتة لا علاقة لها بالانتقام حتى نظهر
للعالم أننا دولة مؤسسات ودولة قانون. والأمر سيترك للاستشاريين
القانونيين للبت فيه.
لنعود إذن إلى موضوع المنافسة على الحكم، هل الإسلاميون لهم اليد العليا الآن؟
- ليس هناك أحد له اليد العليا غير
هؤلاء الشباب الذين بذلوا الغالي والرخيص ثمناً لهذا التراب. وهم ليسوا في
السلطة. الكل يساوم باسم هؤلاء الثوار الشباب. كل الطوائف السياسية، سواء
الإسلاميين أو الليبراليين أو العلمانيين أو الماركسيين أو القوميين، كل
التيارات السياسية تساوم. وجهة نظري الخاصة أن هذه كلها تيارات مفلسة لا
تستطيع أن تلبي طموحات الشباب. هذا الشباب هو جزء من ظاهرة عولمية جديدة.
من إذن سيقود ليبيا الجديدة؟
- وجهة نظري الخاصة أنه لا بد
للشباب الليبي - مثل الشباب في مصر وفي تونس وفي سورية وفي اليمن - من أن
يفرز تنظيمه الخاص وأن يفرز قيادته الخاصة.
وإلى حين ذلك؟
- إلى حين ذلك سيستمر الصراع ما بين
هذه التيارات القديمة، وهو لن يُقبل. كل ما يحدث في مصر الآن، كلما يطرح
شيء، أن الشباب يتظاهرون في الشارع. وفي تونس الشيء نفسه. لم يحدث ذلك في
ليبيا لأن الشباب منشغلون بالجبهات، لكن عند انتهاء القتال سيحدث ما يحدث
في مصر وتونس، وسيخرج الشباب إلى الشارع رافضاً طروحات هذه التيارات
القديمة.
هناك من يشكك في شرعية تسلمك أنت شخصياً والسيد مصطفى عبدالجليل القيادة. كثير من الإسلاميين يهاجمونك. ما مصير هذه الحملة عليكما؟
- التصريحات كانت من قيادي إسلامي
خرج في قناة «الجزيرة» وتحدث. وجهة نظري أن كل الناس لها حق أن تنتقد وأن
تشكك وأن تقوّم الأداء. هذه لعبة ديموقراطية يجب أن نتقبلها إذا كان لنا أن
ندعي أي صدقية في مجال العمل الديموقراطي، وإلا أصبح أكذوبة.
أما الأمر الثاني، فنحن نكلم العالم
كله عن المصالحة الوطنية وعن العفو وعن التسامح وعن القدرة على إدارة
الحوار في شكل حضاري، فلا بد من أن نعطي المثال على ذلك. إذا شكك أحد في
صدقية محمود جبريل، فلا بد من أن يتعامل محمود جبريل من منطلق أن هذا الشخص
له الحق أن يشكك طالما لم يدخل هذا التشكيك في مجال التجريح الشخصي.
يبدو أن خلافاتكم عميقة. ماذا لو لم تتمكنوا من تشكيل حكومة انتقالية؟
- ستتشكل الحكومة الانتقالية.
الخلافات أو دعوني أقول هي اختلافات وليست خلافات. هناك اختلافات في الرأي
في شأن أولويات الحقائب بالنسبة إلى هذه المرحلة. وجهة نظري أن قضية
التحرير يجب أن تستمر كأولوية مطلقة. ثانياً، هذه الحكومة ليست حكومة
برنامج تنموي، هي حكومة وحدة وطنية، بمعنى أن هذه الحكومة لو اتسعت لتشمل
كل ألوان الطيف وكل المناطق الليبية ربما تساعد على إحداث الاستقرار
واستتباب الأمن في تلك المرحلة. هي قضية اعتراف بجهود كل أبناء الوطن،
وليست حكومة تطرح برنامجاً تنموياً وتبحث عن مدة طويلة وموازنة طويلة. هذه
حكومة موقتة عمرها قصير تمهيداً للحكومة الانتقالية التي ستتشكل عندما يحرر
كامل التراب الليبي.
حتى لو استغرق تحرير التراب الليبي طويلاً؟
- ستستمر حكومة موقتة. الإعلان
الدستوري يذكر أن هناك حكومتين، حكومة موقتة قبل تحرير كامل التراب، ثم
حكومة انتقالية ستشرف على الانتخابات وتشرف على إعداد الدستور وإدارة
العملية الانتخابية.
المرجعية
التي تحدث عنها السيد مصطفى عبدالجليل هي مرجعية إسلامية. هل هذا الطرح عن
مرجعية إسلامية لدستور الدولة يعني انحسار العلمانية لمصلحة الإسلاميين في
ليبيا؟
- أعتقد أن هذه التصنيفات تستبق
الأمور. أنا لا أؤمن بهذه التصنيفات أصلاً. أعتقد أن مشروع الدستور الحقيقي
لم يُطرح بعد، وعندما يُطرح سيكون الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة
في نوعية الدستور الذي تقوم على أساسه الدولة. كل التصريحات التي طُرحت في
الفترة الماضية تتحدث عن دولة مدنية ودولة ديموقراطية على أساس دستوري،
دولة مساواة بين جميع الليبيين بغض النظر عن اللون والجنس والأشياء الأخرى
التي نعرفها، دولة تحترم حقوق الإنسان، تحاول قدر الإمكان أن تعيش حسب هذه
المبادئ.
ما يرتضيه الليبيون بعدما يطرح
الدستور الحقيقي هو الفيصل، لكن الآن الإعلان الدستوري قامت بصياغته مجموعة
من الأشخاص. قد يكون نجح هذا الفريق أو ذاك في وضع بعض من هذه العبارات أو
تلك، لكن وجهة نظري أن هناك توافقاً عاماً ليبياً على أن هذه الدولة لن
تكون إلا دولة مدنية وليست دولة دينية.
ذات مرجعية إسلامية تنطلق من الشريعة؟
- الشريعة هي أحد مصادر التشريع.
ولا ننسى أن الدين الإسلامي دين وسطي معتدل يعتمد على المذهب المالكي، فهذا
لا يمكن أن يلغى كأحد المصادر الرئيسية للتشريع.
يبدو أنك لست قلقاً مما يقال عن ازدياد نفوذ الإسلاميين وصراعهم من موقع قوة على السلطة؟
- ولماذا أقلق؟ هم أبناء وطن أيضاً.
طالما أن هؤلاء الناس يتحاورون بالكلمات وليس بالطلقات فصندوق الاقتراع هو
الفيصل. ما العيب في أن يحكم الإسلاميون ليبيا؟ ما العيب في ذلك إذا كانوا
وسطيين يدعون إلى دولة القانون وإلى دولة ديموقراطية وإلى الحوار وإلى
بناء دولة حديثة يتعايش فيها كل الليبيين؟ أنا لا أعتقد أن هناك عيباً على
الإطلاق.
وما هي ضمانات عدم استئثارهم بالحكم؟
- الليبيون هم الضمان الحقيقي. أنا دائماً أراهن على الشباب.
قد
يقول البعض أن الليبيين جدد على العملية الديموقراطية بعد القهر الذي
تعرضوا له على مدى 40 سنة، ولا يمكن التعويل على هذا في غياب المؤسسات.
- من أعاد كتابة تاريخ ليبيا هم
هؤلاء الشباب. لم يعد كتابة هذا التاريخ الإسلاميون ولا الليبراليون ولا
العلمانيون ولا الماركسيون ولا القوميون ولا التيارات السياسية العربية
المعروفة. من أعاد كتابة هذا التاريخ هم شباب صغار من دون عمل أو سكن أو
أمل في غد مشرق. هم الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وغيروا تاريخ هذا البلد.
وبالتالي أنا رهاني الحقيقي على هؤلاء الشباب لأنهم الذين ستكون لهم
الكلمة الأخيرة.
يُقال أن هناك علاقة جديدة بين الإسلاميين في ليبيا والإدارة الأميركية، قوامها التوافق على قبول أحدهما الآخر. ماذا تعرف عن ذلك؟
- لم أسمع عن ذلك.
لكن
الإسلاميين الذين شاركوا في القتال ضد القذافي رحبوا بمشاركة حلف شمال
الأطلسي في العمليات العسكرية، ووجدوا أن لا مانع من التعاون، على رغم
الخلاف وعدم قبول أحدهما للآخر...
- هذه هي السياسة. أصدقاء اليوم هم
أعداء الغد، وأعداء اليوم هم أصدقاء الغد. ليست هناك صداقات ولا عداوات
دائمة، لكن هناك مصالح دائمة. لو تم ذلك، أنا لا أعتقد أن هذا تحالف
استراتيجي. أعتقد أنه تحالف مصلحي حتمه الظرف، وذلك مشروع في العلاقات
الدولية. هذا إن حدث ذلك بالفعل.
يُقال إن انتصار المعارضة أتى عبر حلف شمال الأطلسي، على نسق ما جرى في العراق. ما ردكم؟
- أعتقد أن هذا حكم ظالم في
الحقيقة. أولاً لنسمي الأشياء بمسمياتها. من تدخل لحماية الأبرياء الليبيين
المدنيين هو تحالف دولي وليس الحلف الأطلسي، لأن هذا التحالف فيه دول
عربية وإسلامية ليست أعضاء في «الأطلسي»، لكنها شاركت بفعالية، فهو تحالف
دولي. لكن لأسباب سياسية حاول البعض أن يختصر هذا التحالف الدولي في مسمى
حلف الأطلسي. فهذا الأمر لا بد من أن يتغير وأن يُصحح.
الأمر الثاني، أن التحالف الدولي
كان بناء على طلب من الجامعة العربية في 12 آذار (مارس) الماضي عندما
استمرت آلة القذافي الجهنمية في سحق وقتل الآلاف من الليبيين في الشوارع.
بدأت الانتفاضة في 17 شباط (فبراير) كانتفاضة سلمية، واستمرت إلى 19 آذار
(مارس)، يعني لمدة شهر وثلاثة أيام متصلة وآلة القتل تحصد الأبرياء ليلاً
ونهاراً، ولم يتحدث أي أحد.
عندما تدخل التحالف الدولي تم ذلك
بشرعية من الأمم المتحدة وبناء على طلب من الجامعة العربية، أي بشرعية
مركبة. لكن البعض يختصر لأسباب سياسية ولأمر في نفس يعقوب هذا الأمر إلى أن
الليبيين جاؤوا على متن الأطلسي. أعتقد أن هذا يختصر ويظلم تضحيات مئات
الآلاف من الليبيين الذين ضحوا بأنفسهم وبأرواحهم.
وماذا
عما يُقال عن أن دول حلف شمال الأطلسي ستشارك في صنع المستقبل الليبي
بصورة مباشرة وبعقود من قبل أطراف الحكم كجوائز نفطية وغير ذلك؟
- هذا أيضاً من ضمن الحملة السياسية
التي تُشن. أولاً، الحمد لله ليبيا اليوم مليئة بالكفاءات الوطنية ولا
يستطيع أي أحد مهما كان وضعه داخل ليبيا أن يختصر إرادة الليبيين في شخصه
وأن يتخذ قراراً نيابة عنهم. هذا كمطلق. ثانياً، الحكومة الحالية والمجلس
الوطني هي أجسام انتقالية لا يحق لها بطبيعتها القانونية أن تتخذ أي قرارات
ترتب التزامات مستقبلية. وهذا أمر مفروغ منه.
من يراقب تنفيذ هذا الأمر؟ كيف يتم ذلك بالشفافية المطلوبة؟ هل سيكون للأمم المتحدة في المرحلة الانتقالية دور في ذلك؟
- سيكون لها دور في الإشراف على
الانتخابات. سيكون لها دور في الإشراف على إنفاق الأموال المجمدة التي
سترجع. اتفقنا أن تكون هناك هيئة مراقبة دولية موجودة لترى أن كل مليم
يُصرف يُنفق طبقاً لاعتبارات الشفافية.
وهل للأمم المتحدة دور في مراقبة من يوقع العقود؟
- من الناحية القانونية الجسم
الانتقالي ليس له الحق أن يتعاقد. وإذا حاول هو، يفترض أن الدول الأخرى،
أميركا، بريطانيا، تركيا، فرنسا، وقطر لا تستطيع التعاقد مع الجسم
الانتقالي. لكن الجسم الشرعي هو الجسم المنتخب الثابت الموجود في السلطة.
نحن نعد لمن يستلم السلطة، لكننا لسنا في السلطة. هذا الأمر لا بد من أن
يوضح بشكل كاف.
لكن هل ستكون للدول التي وقفت إلى جانبكم الأولوية في العقود التجارية المقبلة؟
- اقترحت إنشاء مجلس أعلى للمناقصات
في التشكيل الحكومي الذي يجري الآن. هذا المجلس يعني ببساطة أنه لا يحق
لأي وزارة التعاقد مباشرة. وستكون هناك هيئة إشرافية داخل هذا المجلس أسماء
أعضائها غير معلنة. المناقصات ستُعلن في الصحف المحلية والعالمية. وفتح
المظاريف المالي والفني سيتم في شكل شفاف ومنفصل على شاشات التلفزيون.
وبالتالي، هذه الأمور لا علاقة لها
بالسياسة ولا بممارسات الفساد لأن الأمر سيكون على مرأى ومسمع من الجميع.
لو تم قبول هذا الاقتراح، أعتقد أنه سيضع حداً لهذه الإشاعات. وأتمنى أن
يُقبل وأن ينشأ هذا المجلس ويفعّل بالسرعة الكافية.
ماذا
دفع بروسيا والصين إلى العودة عن الانتقادات اللاذعة لعمليات حلف شمال
الأطلسي في ليبيا ثم القبول بأوراق اعتماد المجلس الانتقالي لدى الأمم
المتحدة؟
- الدعم الرئيسي للنظام فعلياً سقط.
يعني اليوم لو قرر الرئيس الروسي أو الصيني أو رئيس الوزراء الروسي أو
الصيني الاتصال بأي أحد في الحكومة الليبية أو معمر القذافي أو بأحد من
أبنائه، لن يستطيعوا، لأنهم غير موجودين. انتهوا لأن النظام سقط فعلاً.
فليس من خيار أمامهم إلا الاعتراف بالأمر الواقع والاعتراف بهذا المجلس،
سواء عن طيب خاطر أو على مضض. هناك مصالح قائمة، هناك شركات روسية تعمل
وهناك شركات صينية تعمل، وأعتقد أن المصلحة الوطنية لكلا البلدين تدفع بهما
إلى مد يد التعاون والاعتراف بالمجلس ومحاولة التعاون معه.
هاتان
الدولتان مانعتكم في شدة في الأمم المتحدة، فهل ستكون لهما نفس المعاملة
كما الدول التي شاركت عملياً في تحرير ليبيا من نظام القذافي؟
- هذا سيترك للحكومة المنتخبة
المقبلة لتقرره. كحكومة موقتة، ليس لنا أن ننشغل بهذا الأمر، لكن الحكومة
المنتخبة التي ينتخبها الليبيون ستكون هي صاحبة الكلمة.
من وجهة نظرك، ما سبب وقوف الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ضدكم في مجلس الأمن؟
- البعض يتعلل بمبررات قانونية.
قالوا نحن لا نعترف إلا بالدول، والمجلس لا يشكل دولة، وهو مبرر من ناحية
القانون الدولي مفهوم. إنما الدول مكونة من ثلاثة عناصر، أرض وشعب وحكومة.
الأرض والشعب كانا موجودين، الحكومة لم تكن موجودة لأننا أعلنا مكتباً
تنفيذياً ولم نعلن حكومة موقتة ولا انتقالية.
الآن سنعلن حكومة موقتة، وبالتالي
هناك عنصر من عناصر الدولة، بحسب تعريف القانون الدولي، مفقود. من أخذوا
الموضوع من منظور سياسي قالوا إن هذه حركة تقرير مصير، حركة شعب يناضل لنيل
حقوقه، حركة شعب يكافح الطغيان والديكتاتورية، وأن الاعتراف هو لأسباب
سياسية وليس لأسباب قانونية.
ماذا عن الدول العربية التي وقفت مع القذافي. هل هما الجزائر سورية فقط؟
- هذا صعب تحديده. هناك دول لم
تعترف بالمجلس ولم ترض حتى بالتحاور مع المجلس. لكن موقفها غير معلن تجاه
القذافي، فكيف لي أن أصنف هذه الدول؟ هل هي ممتنعة عن التعاون مع الطرفين؟
الله أعلم.
كانت هناك حوارات عدة بيننا وبين
الأخوة في الحكومة الجزائرية عن تقارير، هم طبعاً يقولون أنها غير حقيقية،
عن استعمال الأراضي الجزائرية كخط إمداد أو قناة مساعدات لإيذاء الشعب
الليبي. الأخوة الجزائريون أنكروا ذلك وقالوا أن هذا كلام. فأحدث هذا شيئاً
من التوتر في العلاقة بين البلدين في الفترة الماضية.
سورية أيضاً، الشعب السوري يعيش نفس
المحنة التي كنا نعيشها وما زلنا نعيشها في بعض مناطقنا كليبيين. أعتقد أن
هناك تعاطفاً بين النظام السوري والنظام الليبي باعتبارهما في الخندق نفسه
وفي القارب نفسه. نحن وجدنا أن بعضاً من المرتزقة في الشهور الأولى كانوا
سوريين. هل كان ذلك بعلم النظام السوري أو بغير علمه؟ لا أعلم، لا أستطيع
أن أجزم. لكن بعض من تم القبض عليهم في الأيام الأولى للانتفاضة كانوا
سوريين.
هل ترى أن من واجبكم لأنكم مررتم بهذه التجربة مد يد العون للمعارضة السورية التي تحاول أن تحصل على دعم مماثل لما حصلتم عليه؟
- أنا أتحدث هنا بصفتي الشخصية،
وليس بصفة رسمية. أنا على استعداد لتقديم كل أنواع العون والاجتهاد من واقع
التجربة الماضية للثورة السورية وللثورة اليمنية. أعتقد أن الثورتين
ثورتان عريقتان، ثورتان أصيلتان تحتاجان إلى كل الدعم من الشعب العربي ومن
الشارع العربي. أنا على المستوى الشخصي جاهز لأساهم بأي شيء.
> دور
قطر كان مميزاً عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي في دعم ليبيا، لكن يقال
أن هناك إفراطاً في ممارسة قطر دورها الآن، هل هذا صحيح؟ هل أنتم فعلاً
منزعجون من تمادي رئيس الأركان القطري في التعاطي معكم؟
- رئيس الأركان القطري رجل بذل
الكثير واعتبر نفسه ليبياً كالليبيين وربطته علاقات إنسانية ومهنية وثيقة
بكثير من الثوار الليبيين، وبالتالي، كما تعلمين، مع ارتباط الناس على
المستوى الشخصي وعلى المستوى الإنساني والاجتماعي، يبدأ التحرك في شكل
تلقائي. بدأ القطريون يتعاملون معنا كأنهم ليبيون تماماً وهذا ما شاهدناه
في الماضي وما زلنا نلحظه حتى الآن.
أنا أذكر أن أمير قطر في مجموعة
الاتصال في فرنسا سُئل عما إذا كان مدعواً لزيارة ليبيا مع الرئيس الفرنسي
ورئيس وزراء بريطانيا، فكان رده مهماً للغاية. قال لهم: بالنسبة إلى ليبيا،
أنا أوجه الدعوات، ولا توجه إليّ الدعوات. وهذا يدل فعلاً على إحساسه أنه
يتحدث كليبي وليس كغريب. فالرجل فعلاً آمن بهذه القضية في البداية وقدم كل
الدعم، وأنا أنتهز هذه الفرصة لأوجه له التحية ولولي العهد ولرئيس الأركان
على الجهد الحقيقي الماراثوني الذي مارسوه في بداية الثورة الليبية.
هل معنى هذا أن لا مآخذ كما يذكر في الإعلام؟
- أنا أتحدث في شكل شخصي. ليست لي
علاقة بما يقوله الآخرون. أنا أولاً أحترم مواقف كل الأطراف أياً كانت هذه
المواقف تتفق أو تختلف. في النهاية، هناك مصالح تتقاطع وتتنافر في لحظة ما،
وهم أناس قدموا لنا كل الدعم وكل التأييد ولا يسعني إلا أن أشيد بذلك.
السلاح في ليبيا منتشر في كل مكان. ماذا ستفعلون؟
- هذه النقطة مهمة، وهذا الأمر يثير
القلق لدى كثيرين خصوصاً في الخارج ولدى البعض في الداخل أيضاً. أعتقد أن
انتهاء القتال على الجبهات الثلاث سيسقط المبرر قانونياً وسياسياً لحمل
السلاح. إذا أحس الجميع أنهم معترف بهم ومعترف بدورهم ولهم مكان وأنهم
مشاركون سياسياً، ولا إقصاء على الإطلاق لأي طائفة ولأي لون، فأعتقد أن هذا
هو المبرر الرئيس الذي يمكن أن يستعمل في جمع السلاح.
ماذا عن التحقيقات في مقتل عبدالفتاح يونس؟
- هناك لجنة أعتقد أن عملها قارب
على الانتهاء، وأنا أنتهز هذه الفرصة لأؤكد أن هذه اللجنة ستعلن النتائج
فور انتهاء التحقيقات. ولا بد من أن تعلن تحقيقاتها في مؤتمر صحافي عالمي.
العالم كله ينتظر. أهل الشهيد ينتظرون. قبيلة الشهيد تنتظر. الليبيون
ينتظرون نتائج هذا التحقيق. ليس هناك أي مبرر عند انتهاء التحقيقات أن تحجب
هذه النتائج مهما كانت، لأن هذه عملية صدقية. هل نحن صادقون مع أنفسنا
والعالم أم لا.
أنتم تُنتَقدون على معاملة الأفارقة لأن بعضهم شارك كمرتزقة...
- هذه الحالات ضخمت. ليست حالة عامة
كما يبدو للبعض. حاول البعض الإيحاء أن الليبيين يتخذون موقفاً عاماً ضد
الأفارقة، وهذا غير صحيح. حدثت حالات انفلات أمني كثيرة بدافع المرارة
والألم والغضب لما فعله الكثير من المرتزقة الأفارقة، وذلك أمر متوقع. لكن
هذا ليس موقفاً سياسياً من المجلسِ. هذا لا بد من أن يكون واضحاً. هناك فرق
بين أن تكون هذه سياسة يتبناها المجلس وبين أن تكون هذه حالة ما بعد
انتهاء الصراع التي فيها انفلات أمني وتحدث بعض الحالات بدافع الغضب وبدافع
ما حدث من حالات بشعة من قبل المرتزقة الأفارقة.
وماذا عن التوجه الاستراتيجي لليبيا الجديدة. هل سيكون توجهاً متوسطياً أكثر منه أفريقياً؟
- هذا أيضاً للحكومة المنتخبة أن
تقرره. وجهة نظري الشخصية شيء آخر، إنما أنا لا أنوي مواصلة العمل السياسي
فليس لي أن أدلو بدلوي في هذا الأمر.
ماذا ستفعل؟ ألن تستمر في العمل السياسي إطلاقاً؟
- سأعود مرة أخرى إلى عملي
الاستشاري الذي انقطع في عام 2007، وأحاول أن أعود إلى الكتابة مرة أخرى
ولإلقاء المحاضرات وحضور الندوات.
لماذا لا تبقى في السلطة إذا كانت هناك حاجة إليك؟
- السلطة ليست مبتغى ولم تكن مبتغى
في يوم من الأيام بالنسبة إليّ. أنا عندما زج بي، وأنا مُصِر على كلمة زج
بي لمدة سنتين ونيف في نظام معمر القذافي كانت غصباً عن إرادتي. وعندما
تركت كان معروضاً عليّ منصب رئيس الوزراء ويعلم تقريباً معظم الليبيين هذا
الأمر. ليس هذا سراً، فلو كانت السلطة مبتغاي كنت سأقبل، خصوصاً أن ذلك
العهد كان عهد فساد وعهد غنائم وعهد ثروات، يعني كانت السلطة غنيمة على
المستوى الشخصي.
حلمي الحقيقي أن أخصص وقتي لأساعد
هؤلاء الشباب، 67 في المئة من سكان الوطن العربي، على صياغة حلمهم الخاص
الذي فشلت كل التيارات السياسية العربية في تحقيقه لأنهم أكثر قدرة وأكثر
جرأة. هم كسروا عقدة الخوف وحققوا ما عجزنا نحن عن تحقيقه. لو أستطيع مع
آخرين يؤمنون بهذه القضية مساعدة الشباب العربي، والشباب في ليبيا تحديداً
بالنسبة إليّ، على التسييس وإفراز قيادتهم الخاصة، فهؤلاء هم المستقبل
والحقيقة. وماعدا ذلك كله زيف